يوجد تاريخ طويل لمشاكل الحدود اليابانية- الروسية في شمال شرق آسيا، تعود جذوره إلى الربع الأخير من القرن السابع عشر، ولكن أهم المشاكل التي تؤرق العلاقات بين البلدين هي مشكلة جزر الكوريل، وهذه الجزر المتناثرة في خليج أخوتسك تعرقل مساعي البلدين لعقد اتفاقية سلم دائم وتطبيع العلاقات فيما بينهما منذ عام 1945. ورغم ذوبان جليد علاقاتهما الذي أتى كإحدى النتائج المباشرة لانهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتبلور الوضع الدولي الحالي، إلا أن المشكلة لا زالت تراوح مكانها ولم يتم التوصل إلى حل جذري لها يرضي الطرفين. اليابانيون يدعون أن جزر الكوريل جزء أصيل من أراضي بلادهم، مشيرين إلى حقيقة قربها من هوكايدو، وإلى التشابه الجيولوجي بين السلسلة والأرخبيل الياباني، وإلى أنه رغم أن السيطرة على الجزر شهدت صراعاً بين بلادهم وروسيا إلا أن ملكية اليابان الرسمية لها حسمت عام 1875 نتيجة لعقد اتفاقية بين اليابان والحكومة الروسية آنذاك، حيث أعطت تلك الاتفاقية اليابان الحق في الجزر مقابل تنازلها عن مطالبها في جزيرة سخالين التابعة الآن لروسيا. وفي مقابل ذلك، تقف روسيا موقفاً متصلباً من هذه المسألة، ولم تبد في أية مرحلة من المراحل بما في ذلك الوقت الحالي، مستعدة لتقديم أية تنازلات حقيقية حولها، ويتم النظر إلى جزر الكوريل على أنها أرض روسية خالصة وغير قابلة لأي نوع من التفاوض. ويبدو أن حل مسألة الحدود الشمالية الشرقية، خاصة جزر الكوريل، كانت ولا زالت تعاق نتيجة لظروف موضوعية عدة أهمها النظرة اليابانية المتشددة تجاه مسألة حتمية عودة الجزر، وتنامي الإنشاءات العسكرية الروسية عليها، والتقارب القومي الذي ينشأ في فترات مختلفة بين الصين واليابان، والذي ينظر إليه الروس على أنه تهديد متنام لأمن بلادهم القومي، وقيام الاتحاد السوفييتي السابق، ثم بعد ذلك تمسك روسيا الحالية، بمد المياه الإقليمية الروسية إلى 200 ميل لكي تشمل مساحات جديدة من البحار المفتوحة، الأمر الذي يعني عرقلة مباشرة لصناعة صيد الأسماك اليابانية، والمسائل المرتبطة بخلل الميزان التجاري الحاد بين اليابان وروسيا، وأخيراً ارتباط اليابان العسكري بالولايات المتحدة الناشئ من خسارة في الحرب العالمية الثانية، إن ذلك الارتباط قائم نتيجة لضرورات أمنية يابانية نشأت منذ انتهاء تلك الحرب. ويضاف إلى تلك العوامل عامل مهم عمل على تعقيد المسألة ويرتبط بالتغيير الذي طرأ على قانون البحار، الأمر الذي يصعب علينا الخوض في تفاصيله في مثل هذه المقالة. الغريب في الأمر هو أن آخر التطورات تشير إلى أن مواقف الطرفين الأخيرة زادت تصلباً وباعدت بينهما أكثر مما كان عليه الأمر للخمسين عاماً التي خلت، فبالنسبة لليابانيين تعد الجزر رمزاً وطنياً زاد أهمية عبر السنين، ويأتي ذلك انعكاساً لنمو الوطنية اليابانية بثوبها الجديد المعتمد على الإصرار والثقة بالنفس، ويدل على تزايد دور اليابان المستقل في الشؤون الدولية. ويلقى موقف حكومة اليابان مزيداً من الدعم والتأييد من قبل العامة اليابانية ومن الأحزاب السياسية جميعها. ورغم ذلك، فإن ذوبان الجليد السياسي بين اليابان وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فتح آفاقاً جديدة لحل الخلافات بينهما، فطوكيو آخذة في منح موسكو مساعدات اقتصادية واسعة النطاق، وترجمت ذلك عملياً عن طريق تقديم صفقات معونات بمليارات الدولارات. ولم يكن رد روسيا على ذلك هيناً، حيث قامت بتقديم تنازلات حول الحدود الشرقية الشمالية مع اليابان، وتخرج بين الفينة والفينة توقعات وإشاعات قوية تصحبها تفاؤلات شديدة بقرب حل أزمة جزر الكوريل. إن طوكيو تتطلع كثيراً إلى عودة جميع الجزر الشمالية إليها على أنها نتيجة إيجابية لما يحدث من غزل سياسي واقتصادي وتجاري بين الطرفين، ولكن موسكو ترفض باستمرار التعليق على إمكانية فتح الحوار حول هذه المسألة، بالإضافة إلى رفضها التعليق على التوقعات والإشاعات التي تخرج ذاتها، بل على العكس من ذلك تصدر عنها إشارات مشجعة أحياناً حول الموضوع، ويتم تبادل زيارات المسؤولين الكبار بين البلدين دون أن يحدث حل حاسم للمسألة حتى هذه اللحظة. وعلى ضوء العراقيل الموجودة، فإنه لا تلوح في الأفق تسويات سريعة للمشاكل العالقة حول الحدود الشمالية الشرقية بين الطرفين رغم أن كليهما يحاول أن يحسن من علاقاته مع الآخر. وربما تكون موسكو هي أكثر الأطراف تمنعاً عن التوصل إلى حلول عاجلة، فيبدو أن موسكو تريد ربط الحلول النهائية للمشاكل العالقة على اليابان بمشروعها القديم الذي طال أمده حول الأمن الجماعي لآسيا. فروسيا تريد تمرير هذا المشروع، وتتوقع، بل وتريد من اليابان بإلحاح، أن تساهم بفعالية في إحياء هذا المشروع وإنجازه، ولو حدثت تلك المساهمة فإنه سيتوفر عبرها حفظ ماء وجه موسكو تجاه الشعب الروسي لو قامت بالتنازل فعلاً عن الجزر أو أي أجزاء منها، حيث يبدو وجود معارضة داخلية لقيام روسيا بالتنازل لليابان عن الجزر والأراضي والمياه الإقليمية في المنطقة.