يستحق باراك أوباما التهنئة على فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأميركية. فقد خاض معركة قاسية توجّت مسيرة نضالية كبرى تميّزت بالإرادة الصلبة والأمل الكبير والثقة بالنفس والتصميم على التحدي والتغيير. الرئيس جورج بوش اعترف أكثر من مرة بوجود التمييز العنصري العرقي في بلاده حتى الآن في مناطق كثيرة ضد السود. وأوباما "الأسود" يعرف تماماً تاريخ بلاده. تجاوز هذه "العقدة" واستطاع أن يسقطها بنجاح يمكن اعتباره تغييراً فعلياً لوجه أميركا "الأبيض" وفي البيت الأبيض تحديداً. اليوم ثمة ابن بيت أسود يحكم البيت الأبيض! على المستوى الشخصي هذا نجاح هائل. وبتأثيراته على مسار التركيبة الاجتماعية الأميركية، هو نجاح استثنائي وتحول في التاريخ الأميركي. لذلك يستحق باراك أوباما المباركة. لقد انتصر هو وربح الرئاسة. وربحت أميركا التي اهتزت صورتها مع بوش معركة التغيير على المستوى الذي ذكرت وكرّست سابقة تاريخية في حياتها فأعطاها صورة أخرى وفرصة أخرى. لاشك أن "خفة" جورج بوش ساعدت أوباما على الفوز. فالمستوى الذي وصلت إليه القيادة مع بوش لم يصله مع غيره ولا يتوقع أحد أن يصله مع أحد وقد دفع العالم ثم دفعت أميركا نفسها ثمن السياسات والأساليب التي اعتمدتها الإدارة الحالية على مدى ثماني سنوات من عهدها. ردّة فعل الأميركيين كانت كبيرة وكان ذلك متوقعاً. فوز باراك أوباما كان متوقعاً من هذه الزاوية لكن الخوف والقلق والتساؤل كان عند الجميع ينطلق من سؤال: هل يمكن أن يصل أسود إلى الرئاسة؟ ها قد وصل أسود في عملية تغيير وتجميل للوجه بفعل المسار الخطير الذي سلكته إدارة بوش والذي وضع أميركا، الجبارة القوية القائدة، أمام مستقبل أسود. هذا سبب أساسي من أسباب نجاح أوباما. إلا أن الواقعية في السياسة تستوجب قراءة ما جرى من كل الزوايا وعدم تجاهل أي عنصر من عناصر المعادلة للإطلالة على ما يمكن أن تكون عليه الأمور والأوضاع مع أوباما والإدارة التي سيشكلها. وما يعنينا نحن في هذه المنطقة هو قضايانا، والقضية الأساس كانت ولا تزال القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن تغيير وجه أميركا من "أبيض" إلى "أسود"، وعلى أهميته المذكورة، يكون مهماً بالنسبة إلينا عندما نرى تغييراً من "الأسود" في السياسة الأميركية إلى "الأبيض" فيها. بمعنى، عندما نرى تغييراً حقيقياً في النظرة إلى حقيقة الصراع في المنطقة وبالتالي إلى حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه. وهنا يمكن اعتبار أوباما الذي عانى وأقرانه من التمييز العنصري والعرقي مسؤولاً أكثر من غيره عن رعاية هذا الحق لشعب عانى ويعاني منذ عقود زمنية طويلة بسبب السياسة العنصرية الإسرائيلية. أوباما الذي ظُلم أهله وأسلافه وكل السود أمثاله في أميركا، يجب أن يقدّر ظلم الشعب الفلسطيني على أيدي الإسرائيليين، وهو ظلم لا مثيل له في التاريخ حتى الآن وظلم مستمر ومفتوح. ما يهمنا أن نرى سلاماً حقيقياً في المنطقة قائماً على العدالة وعلى إسقاط كل أشكال الظلم والإرهاب الإسرائيليين. ساعتئذٍ يمكن القول إن تغييراً جوهرياً قد حصل في السياسة الأميركية تجاوز التغيير في اللون! هذا هو المعيار بالنسبة إلينا. هل يمكن الجزم بأن هذا سيحصل؟ أعتقد أن الوقت مبكر جداً لإعطاء جواب، وإن كنت شخصياً غير متفائل ولا أرى تغييراً في الجوهر، بل قد يكون تغيير في الإدارة والأسلوب والحركة، لكن مسيرة أوباما ستكون محفوفة بكثير من المخاطر، خصوصاً مسيرته في منطقتنا وفي مقاربة الصراع العربي الإسرائيلي وحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، وبالتالي فهو لن يقدر على إحداث تغيير جوهري هنا. هذا ما أتوقعه، وهذا ما ينبغي أن نتحسّب له متجاوزين "فرحنا" بسقوط بوش وإدارته التي سببت الكثير من المشاكل وحمت إسرائيل بكل ممارساتها الإرهابية وحروبها ضد لبنان وفلسطين، واحتلت العراق وأنتجت مزيداً من الإرهاب والفوضى ونهبت ثرواته، ونشرت الفوضى في العالم وتسببت بانهيار مالي عالمي خطير. السياسة معطيات وحقائق ووقائع وحسابات، ليست فيها عواطف. لقد أصبح بوش وراءنا. المهم ماذا أمامنا؟ ماذا ينتظرنا؟ من هنا الحكم على أوباما ومسيرته كحاكم في السنوات المقبلة. المسألة الثانية التي تعنينا ونتأثر بها تتجسّد في مفهوم القيادة عند أوباما. فهل سيسلك درب سلفه مختاراً درب التحدي والغرور والمكابرة؟ هذه على ما يبدو عناصر ليست من صفات شخصيته. هل سيتصرف على أساس أن أميركا هي القائدة والقادرة على تجاوز الجميع، أم سيسلك طريق البحث عن شراكة مع الدول الأخرى لما فيه مصلحة كل شعوب ودول العالم لتكريس العدالة والتوازن ومعالجة المشاكل الدولية بأسلوب مختلف عمّا شهدناه، واستيعاب آثار الأزمة المالية العالمية، وتعميم قيم الإنسانية؟ أوباما الأسود يعرف تماماً ما يعانيه العالم من مشاكل وآلام وأمراض وأوبئة وفقر، وما هو معرّض له بفعل المتغيرات المناخية. ولاشك أن أفريقيا "السوداء" ستشهد متغيرات كثيرة مع وصول هذا الرجل "الأسود" إلى سدة الرئاسة "البيضاء" في أميركا! يمكن مع أوباما أن تتغير أميركا ويتغيّر العالم في اتجاه الأفضل، وهذا ما نتمناه ونتطلع إليه ويستحق أن نحلم به لمصلحة الأجيال المقبلة، ويمكن أيضاً أن يقف التغيير عند الوجه، وبعض المواقع في الداخل الأميركي، وتكون النتائج عكسية في الجوهر والمضمون... وهذا يعني انتكاسة كبرى. لذلك لابدّ من الترقب والانتظار بعد نشوة "الانتصار" بسقوط إدارة بوش ومن كان يريد وراثتها من "السّلالة السياسية ذاتها"!