ما مدى شرعية الحروب المندلعة في أماكن كثيرة من العالم؟ وهل هناك من يلتزم بتطبيق القانون الدولي في حالات الحرب والسلم؟ وما هي أصول العلاقات الدولية، سلماً وحرباً، في الإسلام؟ وما موقف الفقه الإسلامي والقانون الدولي معاً من أسرى الحرب؟ أسئلة تعالجها الباحثة الحقوقية والمحامية الجزائرية وفاء مرزوق في كتابها الرصين "أسرى الحرب في الفقه الإسلامي والاتفاقيات الدولية"، وهو (كما يوضح العنوان) دراسة مقارنة لحقوق أسير الحرب بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي. تقول المؤلفة إنها اختارت هذا الموضوع ليقينها التام بأهميته ولما باتت تشكله قضية الأسرى في عصرنا الحالي من عبء ثقيل على الضمير الإنساني، ولرغبتها في إبراز دور الإسلام في معالجة موضوع الأسرى وما وضعه من قواعد وأحكام وتوجيهات في هذا المجال، وتبين أنه بينما تناول الإسلام أحكام الحرب وحقوق الأسرى وما يجب للأسير، منذ البعثة النبوية، نجد أن هذا الموضوع ما يزال قيد بحث ودراسات على الصعيد النظري، ومجالاً لانتهاكات وإساءات وخروقات كثيرة على المستوى العملي. وإذ أن الحرب، في الغالب الأعم، لا تخلو من انتهاكات وجرائم شنيعة أكثرها يتعلق بالإساءة إلى الأسرى، تخصص المؤلفة فصلاً كاملاً من فصول كتابها الأربعة لمفهوم الحرب، شروطها وقواعد شنها وأحكام التعامل مع آثارها، في الفقه الإسلامي والاتفاقات الدولية، موضحة أن علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول تقوم على المسالمة والموادعة في حالة السلم، وعلى أساس الجهاد والمقاتلة في حالة الحرب، ذلك أن الإسلام يجنح إلى السلم ويدعو إلى الرفق والمعاملة الحسنة وينهى عن التشدد والغلو والمعاملة السيئة. وقد بدأ الاهتمام بالعلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم خارج الجزيرة العربية في المرحلة المكية، وتحدث القرآن عن حرب بين دولتين عظميين (الروم والفرس)، وبشر المسلمين بانتصار الروم بعد بضع سنين. وبعد ثمانين عاماً باتت الدولة الإسلامية ممتدة من الهند شرقاً إلى إسبانيا غرباً، وأصبحت لها حدود مشتركة طويلة مع دول وشعوب غير مسلمة. وبسبب الحروب والمعارك كانت الحاجة ماسة لتنظيم فترات الهدنة واتفاقات الصلح وتبادل الأسرى وإقرار السلم... استناداً إلى ما جاء في القرآن وسيرة الرسول وعمل الصحابة. ومن أوائل الفقهاء الذين تناولوا هذه القضايا الحسن الشيباني وعبد الرحمن الأوزاعي وسفيان الثوري، وعلى أثرهم خلّف أبوحنيفة وتلاميذه تراثاً عظيماً في هذا المجال. وتتساءل الكاتبة: هل الجهاد والحرب شيء واحد أم أنهما مفهومان مختلفان؟ وتعود في هذا الباب إلى الاشتقاقات اللغوية حول الكلمتين، كما تستحضر إجماع الفقهاء على تقسيم الجهاد إلى أقسام تندرج كلها تحت مسمى "مجاهدة العدو"، وهم يرجحون "جهاد الدفع" على ما سواه. كذلك يتضح من النصوص الفقهية ذات الصلة أن للجهاد مبادئ ثلاثة: أولها وجوب الوفاء بالعهد، وثانيها قدسية كرامة الإنسان وإنسانيته، وثالثها أن الحرب لا تحل حراماً. وكما بين الإسلام شروط الحرب العادلة المشروعة، فقد أوصى بالرحمة والفضيلة والرفق، وحمى النساء والأطفال والعجزة والمرضى والعميان والرهبان والفلاحين والجرحى والقتلى والأسرى. ويتبين أن الإسلام حث على حق الأسير في الطعام والكساء والمأوى، وذلك لقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)، كما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه في أسرى بني قريظة: "أحسنوا إسارهم وقيلوهم واسقوهم"، وفي يوم بدر أمر صلى الله عليه وسلم بأثواب لمن لم يكن عليه ثوب من الأسرى، ولتأمين المأوى لهم، فرقهم بين أصحابه وقال لهم: "استوصوا بهم خيراً"... إلى غير ذلك من النصوص والوقائع الكثيرة حول حقوق الأسرى. أما في الاتفاقيات الدولية فإن الدول الآسرة هي التي تتكفل بتأمين الغذاء والكساء والمأوى لأسراها، دون مقابل، كما نصت المواد 15 و22 و27 من اتفاقية جنيف الثالثة. وتتناول المؤلفة موضوع الشرعية على الأسرى، وتبين أنه كما وضع القانون الدولي حداً لممارسات السلب والنهب التي كان يتعرض لها الأسرى، فقد سبق أن الشرع الإسلامي وضع ضوابط خاصة لما يجوز أخذه من أموال العد وأوجه استخدامها وصرفها، ووضع ضوابط لمال الأسير وتصرفاته المالية، بل تناول الفقهاء تركة الأسير وذمته المالية وزواجه وحقوقه الأسرية. وفيما يخص مصير الأسرى فقد رأى جمهور الفقهاء أن الإمام مخير في طريقة معاملة الأسير، بين قتله أو تركه، وبين أن يمن عليه بالتسريح أو أن يفادي به أسرى المسلمين. أما اتفاقية جنيف فحددت مصير الأسرى في اتجاهين: إيواؤهم في بلد محايد أثناء الأعمال العدائية، أو الإفراج عنهم وإعادتهم إلى أوطانهم عند انتهاء الأعمال العدائية، مع استثناء واحد يتعلق بالأسرى ممن أدينوا بارتكاب جرائم حرب توجب محاكمتهم. ومن ذلك تخلص المؤلفة إلى أنه رغم اختلاف الفقه الإسلامي عن القانون الدولي، من حيث المصدر على الأقل، فهما يلتقيان في جوانب عديدة، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الحرب، ووسائلها المشروعة، وكيفية إنهائها، والتعامل مع نتائجها لاسيما موضوع الأسرى وحقوقهم. لكن رغم الجهود المبذولة من طرف المنظمات الدولية المعنية بموضوع أسرى الحرب، وبمراقبة تنفيذ الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، لازال الأسرى يعانون الأمرين ويتعرضون لصنوف الإهانات والانتهاكات، في مختلف السجون والمعتقلات، على نحو يكشف ما يعرفه عالمنا المعاصر من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان! محمد ولد المنى الكتاب: أسرى الحرب في الفقه الإسلامي والاتفاقيات الدولية المؤلفة: وفاء مرزوق الناشر: منشورات الحلبي الحقوقية تاريخ النشر: 2008