منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان كتب الشاعر الأميركي الأفريقي "لانجستون هيوز" قصيدة عنوانها "إيقاعات شعرية طفولية" يتحسر فيها على الانقسام العرقي في المجتمع الأميركي وتأثيره على مصائر أطفاله السود. وبعد مرور 46 عاماً على قصيدة "هيوز" تلك غنى مطرب الراب المعروف "تيوباك شاكور" كلمات أغنية تردد أصداء قصيدة هيوز تقريباً، ويرثي فيها هو أيضاً ذلك الانقسام، وعدم قدرة أميركا على اختيار رئيس أسود اللون. وبعد أقل من عقد من الزمان من أغنية "تيوباك" الحزينة أصبحت أميركا ولأول مرة على استعداد لاستقبال رئيس أسود، ووضع نهاية لكافة المراثي التي تنعى "الأحلام المؤجلة" لدى هذه الفئة من المجتمع الأميركي. وبكافة المقاييس، يمكن اعتبار يوم انتخاب أوباما من الأيام المشهودة في تاريخ الأمة الأميركية، وهو يوم يحق فيه للأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية أن يشعروا بالفخر، حيث إن انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة يجسد انبعاث الأمل مجدداً في أوساط هؤلاء الأميركيين واستعادتهم لإيمانهم بأميركا التي كانت تخفق دوماً في معاملة مواطنيها السود، وتتركهم فريسة للإهمال الاجتماعي، والعزلة الثقافية. وفوز أوباما التاريخي يعتبر من كافة النواحي نهاية موفقة حقاً لسلسلة الأحلام التي بدأت عندما كان العبيد السابقون يتخيلون أن واحداً منهم سيصبح يوماً ما رئيساً للأمة التي استعبدت أجدادهم. وفي عام 1968 انتهى حلم "مارتن لوثر كنج" في تحقيق العدالة والمساواة، بفعل رصاصة صوبت إليه. وبعد مصرعه بأربعين عاماً تقريباً صوت الأميركيون على انتخاب أوباما. والحال أن هذه المسافة الزمنية الفاصلة بين اغتيال "مارتن لوثر كنج" وانتخاب أوباما كأول رئيس أميركي من أصول إفريقية، تعتبر قفزة واسعة في قضية العرق لم يكن أحد يتوقعها على الإطلاق. إن يوم انتخاب أوباما يساعد على إنقاذ سمعة أميركا في مجال المسألة الديمقراطية، التي تعد من ضمن أعظم مواريثها على الإطلاق. ويحق للأميركيين من كافة الأعراق اليوم أن يشعروا بالفخر بالُمثل والقيم التي غرسها جيل الرواد العظام من الآباء المؤسسين. وعلى رغم أن تلك المثل والقيم قد ديست بالأقدام عبر القرون إلا أنها تمكنت من البقاء حتى تتجسد واضحة جلية في هذا اليوم. وبخلاف ما يعتقده معظم النقاد، فإن انتخاب أوباما لا يعني انتهاء العنصرية في المجتمع الأميركي، ولكنه سيكون دون شك خطوة كبيرة تقربنا من هذا المستقبل ما بعد العنصري الذي تزول فيه كافة السلبيات التي تشين هوية أميركا، ومن ضمنها القمع القائم على الكراهية والخوف، الذي يستغل نقاط الضعف الثقافي والسياسي لدى السود. وأوباما ليس في حاجة إلى التخلي عن جلده، حتى يتمكن من الحكم بكفاءة، بل الحقيقة أن العكس هو الصحيح، إذ أن أميركا هي التي يجب أن تتغلب على ماضيها العنصري كي تتيح الفرصة لمواهب أوباما ومواهب غيره من الأميركيين من أصول أفريقية للمعان والتألق. ولذا فإن إيماننا بدلالة انتخاب أوباما ينبغي أن ينتشر، ويصبح إيماناً لدى السود في كل مكان ممن كانوا ضحية للتفرقة العنصرية. وينبغي علينا في هذا السياق أن نعرف أن النظر إلى أوباما على أنه أميركي استثنائي من أصول أفريقية وليس كمواطن أميركي استثنائي فحسب، يعوق تحقيق رغبتنا كأميركيين في تمهيد طريق النجاح أمام أشباه أوباما. فأوباما ليس أول أميركي من أصول أفريقية تمكن من أن يصبح رئيساً فقط، وإنما هو أول أميركي من أصول أفريقية حصل على الفرصة الكافية ليثبت أنه أهل لهذا المنصب. كما أنه ينبغي ألا نقع فريسة إغراء الاعتقاد بأن وصول أوباما للرئاسة يسجل نهاية العنصرية، ونهاية حركة الحقوق المدنية، ويجعلنا ننسى نضال الزعماء السود مثل جيسي جاكسون، وآل شاربتون ومن قبلهم "مارتن لوثر كنج" ومالكولم إكس من أجل المساواة. فبدون نضال هؤلاء الزعماء ما كان لأوباما أن يبرز على هذا النحو، أو يحقق الإنجاز الفذ الذي حققه. إن أوباما هو الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من الزعماء العظام الذين مهدوا طريق التقدم والذين ناضلوا من أجل تحسين سمعة الولايات المتحدة من خلال تحسين سمعة الأميركيين من أصول أفريقية. والفارق بين أوباما وبينهم هو أنه سيتحرك في الاتجاه المعاكس، أي أنه سيعمل على تحسين أوضاع وظروف الأميركيين من أصول أفريقية من خلال العمل على تحسين أوضاع وظروف الأمة الأميركية ككل. وباعتباري من ذوي البشرة السوداء فإنني أشعر بنشوة تجل عن الوصف، كما أشعر بالفخر لأنني أميركي في هذا اليوم العظيم. لقد كان الآباء والأمهات السود في الماضي يكذبون على أطفالهم حتى لا يجعلوهم يشعرون بالحزن، فكانوا يقولون لهم إنهم يستطيعون أن يحققوا كل ما يتمنونه -بما في ذلك أن يصبحوا رؤساء- من خلال عملهم ومواهبهم. أما الآن، فقد آن لنا أن نتوقف عن الكذب وأن نبدأ العمل، كي نضمن أن أوباما لن يكون أول رئيس أميركي من أصول أفريقية فحسب، ولكن كي نضمن أنه لن يكون الأخير في منصب الرئاسة وفي كافة المناصب والمجالات الأخرى، أي أن نضمن أن الكثيرين من السود سيشقون طريقهم كي يصبحوا رواد فضاء، وحكام ولايات، وأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، وعلماء رياضيات، وسباحين أوليمبيين. إن أحد أكبر التأثيرات التي ستترتب على نجاح أوباما في أن يصبح أقوى رجل في العالم، هو حجم التعزيز النفسي الذي لا يمكن حساب مقداره، الذي سيمنحه ذلك للشبان السود الذين لابد وأن يشعروا بالفخر والإعجاب عندما يرون واحداً منهم وقد ملأت صوره الشاشة، وترددت كلماته في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن المعجزة الحقيقية في هذا السياق هي أن تولي أوباما للرئاسة سيجعل الأميركيين يسلمون تماماً بأن أي شخص أسود البشرة، إذا ما مُنح الثقة الكافية، قادر على تحقيق الكثير من الخير لبلاده. وباراك أوباما، وحتى قبل أن يؤدي القسم، حقق بالفعل الكثير من الخير لأمته وبشكل بطولي. مايكل أريك دايسون أستاذ علم الاجتماع بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"