بالأمس القريب وفي أحد المقالات المنشورة في هذه الصفحات، تناول الكاتب والمحلل السياسي الأميركي توماس فريدمان، مغزى فوز باراك أوباما عبر مقال استهله كما يلي: "أخيراً وضعت الحرب الأهلية الأميركية أوزارها بعد العاشرة مساءً بقليل حسب التوقيت الشرقي، في ليلة الرابع من نوفمبر من عام 2008، إثر حصول باراك حسين أوباما على ما يكفي من الأصوات لانتخابه أول رئيس أسود لأميركا. وعبر صناديق الاقتراع وضع الناخبون في ولاية بنسلفانيا حداً لتلك الحرب في ذات الولاية التي نشبت فيها الحرب عام 1836، أي بعد مضي 145 عاماً عليها". ورأى الكاتب في هذا الفوز انتصاراً لأميركا كلها لكونه رمزاً لتجاوز ماضيها العنصري وتأكيد رسوخ تجربتها الديمقراطية. وهذا هو المعنى الذي انتصرت له الأغلبية الناخبة الأميركية باختيارها لباراك أوباما، في حدث تاريخي رفعه البعض إلى حد "الثورة" الأميركية! ومهما تكن وجهة النظر والتقييم لما حدث في ليلة الرابع من نوفمبر، فليس فيها ما يتناقض أو يمنع مجلة "لايف" من أن تخص أوباما بآخر إصداراتها من الكتب التي درجت خلالها على تناول أبرز الأحداث والشخصيات التي تصنع التاريخ الأميركي. وأثناء الحملة الانتخابية الرئاسية صدرت لأوباما ثلاثة من مؤلفاته هي: "جرأة الأمل"، "أحلام عن أبي: قصة عن العرق والإرث"، و"التغيير الذي نؤمن به". أما في الكتاب الحالي الذي سبق نشره ليلة الرابع من نوفمبر، فقد شارك في تأليفه وإعداد مقالاته عدد من المحللين وكتاب السيرة المتخصصين منهم: جاي تاليس، تشارلس جونسون، أندريه كودريسكو، فاي ويلدون وريتشارد نورتون، بينما قدم الكتاب ومهد له السناتور إدوارد كنيدي. أما الهدف منه فهو تعريف القراء والجمهور بمستوى أفضل وأعمق بأوباما، خلافاً لحملة السباب الشخصي السلبية التي قادها ضده منافسه الجمهوري جون ماكين ومؤيدوه في تيار المحافظين الجدد. كما أن القصد من هذه السيرة تصحيح بعض الأخطاء والمفاهيم الشائهة التي روج لها خصوم أوباما، ووجدت طريقها إلى بعض المؤلفات والمدونات الإلكترونية التي بثت عنه طوال فترة السباق الرئاسي. بهذا المعنى يجيء هذا الإصدار بمثابة تنقيح وتصحيح لما نشر عن سيرة أوباما. فقبل أربع سنوات فحسب، بدأ الجمهور يتعرف إلى شخصية أوباما عقب انتخابه عضواً بمجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي. وسرعان ما تدفقت وتواترت عنه المعلومات والأخبار لتكشف عن شخصية فريدة بحق وجديرة بما حققته من معان كبرت في عيون الأميركيين وشعوب العالم قاطبة. فهو ابن لأب كيني وأم أميركية بيضاء من ولاية كنساس. ونشأ في كنف عائلة بسيطة غاب عنها الأب، وتنقل في طفولته وصباه بين هاواي وإندونيسيا ثم هاواي تارة أخرى. وبفضل دعم عائلته ووقوفها إلى جانبه، تمكن من الالتحاق بجامعة كولومبيا بنيويورك، حيث درس العلوم السياسية. ومنها اتجه لاحقاً إلى دراسة القانون الدستوري بجامعة هارفارد، وكان في هذه الأخيرة أول طالب أسود يتولى رئاسة تحرير مجلةLaw Review -المراجعات القانونية- التي تصدرها كلية الحقوق. وبين هاتين المحطتين عمل أوباما في مجالي الخدمة الاجتماعية والمحاماة، قبل انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ في عام 2004. وفي ليلة الرابع من نوفمبر الجاري، انتخب أول رئيس من أصل أفريقي لأميركا. هذا هو عظم القصة أو خلاصتها التي أخذتها مجلة "لايف" لتنسج من خيوطها وتفاصيلها الكثيرة المتشابكة، قصة ملهمة ممتدة من عالم الطفولة والصبا الباكر، إلى سنوات المجد والتألق الأكاديمي، صعوداً إلى قمة الهرم السياسي فيما يشبه الومضة الضوئية الخاطفة للأبصار. وفي هذه القصة ما يلهم لكونها نموذجاً للإرادة القوية والقدرة على تحقيق النجاح والتغلب على الصعاب. وإذا ما نظر إليها بعيون الأميركيين، فإنها ترمز دون أدنى شك إلى حقيقة الحلم الأميركي، بمعنى قدرة الفرد على بلوغ أقصى غاياته أياً تكن. في وصفها لهذه السيرة قالت مجلة "لايف" إن دراما القصة الشخصية لأوباما هي من الغنى والإثارة بما يقربها من مدى شمول الصورة السينمائية الواسعة المعبرة. ولعل هذا هو عين السبب الذي دفع الناشر لإغناء النص السردي عن أوباما بمجموعة غنية ونادرة من الصور الشخصية التي تكاد تغطي جميع مراحل حياته، منذ عهد الطفولة والصبا. ولما كان القصد هو التأكيد والإلهام، فما أقدر لغة الفوتوغرافيا وحدها على تأكيد المعاني والمضامين المراد توصيلها. بكلمة واحدة أخيرة، يمكن القول إن تناول مؤلفي هذه السيرة الذاتية قد أفلح في النظر إلى "ظاهرة أوباما" هذه إن صح الوصف، لكونها قصة صعود فرد واحد من المأساة إلى البطولة، فيها من دراما الصعود بقدر ما فيها من انكسارات اليأس والقلق، وعنفوان التطلع وجسارة الأمل. على أن التناول نفسه حرص على النظر إلى حياة صاحب السيرة من كافة جوانبها، دون أن يغفل الإشارة إلى الأخطاء التي ارتكبها والعقبات التي اعترضت سبيله. وبلغة السرد القصصي المشوق تمكن المؤلفون من رسم أدق تفاصيل الشخصية في مختلف مراحلها وحتى لحظة الصعود السياسي، المتجاوز لكل ما هو فردي وشخصي في نهاية المطاف. عبد الجبار عبد الله الكتاب: رحلة باراك أوباما الأميركية المؤلفون: جماعة الناشر: مجلة "لايف" الأميركية تاريخ النشر: 2008