لماذا فاز أوباما؟.... والحل العسكري لا يجدي مع الكونغو شغلت تطورات الانتخابات الاميركية بإيقاعها السريع اهتمام الصحف البريطانية الصادرة هذا الأسبوع، أما القضايا الأخرى، ومنها مثلًا تطورات الأزمة المالية وأزمة الكونغو، فقد تضاءل الاهتمام بها كثيرا كما يتبين من خلال هذه الإطلالة: *"لقد تحولت الكفة وفاز أوباما": هكذا عنونت "الإندبندنت" افتتاحيتها أمس الأربعاء، التي بدأتها بالقول إن فوز أوباما الكاسح بالانتخابات الرئاسية، يمثل نقطة تحول فاصلة في التاريخ الأميركي ليس لأنه أول رئيس أسود يقود أميركا، وإنما لأنه يأتي أساساً في فترة تحول كبير من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وانتخاب رئيس ديمقراطي مدعوماً بكونجرس ذي أغلبية "ديمقراطية" يضع نهاية للحقبة "الجمهورية"، التي بدأت مع فوز ريجان 1980، والتي قامت على ثلاثة مرتكزات رئيسية هي المقاربة الصلبة للأمن القومي، والإيمان الأعمى بالسوق، والآراء المحافظة في المسائل الاجتماعية. أما من الناحية الاقتصادية، فإن هذه الانتخابات تأتي في سياق أزمة مالية طاحنة، نتجت عن انفجار أكبر فقاعة منذ عام 1929، وهو ما يضع أمام أوباما تحديا هائلا يتوقع له أن يتصدي له بحزمة من الإجراءات مثل إعادة الاعتبار لدور الدولة في الحقل الاقتصادي، ما يؤدي إلى نسف مبدأ رئيسي من مبادئ "الجمهوريين". سوف يتعين على أوباما أيضا ً -كما وعد أثناء حملته الانتخابية- العمل على إنهاء حربين غير شعبيتين تخوضهما أميركا في وقت واحد في العراق وأفغانستان، كما سيتعين عليه كذلك إصلاح البنية الأساسية المتداعية، وإصلاح النظام التعليمي ـ الذي تتخلف فيه أميركا عن منافسيها الرئيسيين ـ وتدعيم نظام الرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، وتحقيق المساواة بين قطاعات الشعب الأميركي. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إن أوباما يأتي إلى منصبه وهو محاط بكم هائل من التمنيات الطيبة سواء في الداخل والخارج، وأنه قد ينجح في تحقيق المراد منه وقد يفشل، خصوصاً مع ارتفاع سقف المتوقع منه، بيد أن الشيء المطمئن في هذا الصدد أن الرؤساء العظام في التاريخ الأميركي نجحوا، لأنهم ووجهوا منذ اللحظة الأولى بتحديات عظيمة تمكنوا فيما بعد من التغلب عليها، وأمام أوباما فرصة تاريخية للإنضمام إلى تلك الكوكبة من الرجال. *"أربعة أسباب لاختيار أوباما": في مقاله المنشور أمس بـ"التايمز"، يري "دانييل فينكيلشتاين" أن انتصار أوباما كان محتماً لأن أميركا في الوقت الراهن تمر بتغيرات عميقة، وأن "تاريخية" الانتخابات الحالية لا ترجع إلى أن المرشحين المشتركين فيها كانوا استثنائيين ، ولكن لأن الانتخابات ذاتها كانت استثنائية. ويعدد الكاتب أربعة أسباب لفوز أوباما في هذه الانتخابات هي: الأول، أن الشعب الأميركي يتحول في الوقت الراهن إلى شعب مختلف، بمعنى الكلمة، وهو ما يتبدى من التغير الكبير في موقفه من قضية اللون الذي يسمح له اليوم بانتخاب رئيس من أصول أفريقية، كي يقوده في حين أنه لم يكن يسمح لأي فرد من تلك الأصول بالدخول إلى مطعم مخصص للبيض منذ أربعين عام تقريباً. علاوة على تغير موقفه من قضية، فإن الشعب الأميركي يتغير ديمغرافياً على نحو ظاهر وسريع ومضطرد لدرجة أن هناك إحصائيات رسمية تبين أن البيض في أميركا سيتحولون إلى أقلية بحلول عام2042. السبب الثاني لفوز أوباما، هو أن العالم يتغير في الوقت الراهن ويُغير وضع أميركا فيه. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر قوة في العالم، فإن الصعود الصيني، والنزعة الصراعية الروسية، والثروة الخليجية، وضعت الانتخابات الحالية في سياق مختلف عن كافة الانتخابات السابقة، حيث كان هم أميركا الأول فيها البحث عن رجل قادر على قيادة القوات المسلحة، وقادر في الوقت نفسه على اكتساب احترام العالم. أما السبب الثالث، فهو أن المجال السياسي الأميركي يتحول تدريجياً في الوقت الراهن ليصبح في قبضة الطبقة الوسطى الأميركية. ففي الوقت الراهن وصل عدد الأميركيين الذين يكملون مرحلة الدراسة المتوسطة ويلتحقون بالجامعة إلى أرقام قياسية غير مسبوقة، كما ازداد مستوى الرخاء لدى العديد من طبقات الشعب الأميركي لدرجة يمكن معها القول إن ما يزيد عن نصف عدد الأميركيين ينظرون إلى أنفسهم في الوقت الراهن على أنهم من الطبقة الوسطى، ويحاولون أن يمتعوا أنفسهم أكثر، ويعملوا أقل . وهذا التغير يستدعي أن يكون المرشحون غير تقليديين، وهو تماماً ما فعله الحزب "الديمقراطي" عندما اختار أوباما.أما السبب الرابع: فهو أن الأجندة "الجمهورية" لم تعد صالحة للعمل: فتلك الأجندة القائمة على مجموعة من الثوابت مثل تخفيض الضرائب على الدخول، ومقاومة الجريمة، وإصلاح منظومة الأمن الاجتماعي، وتحريم الإجهاض، ودعم الزواج، لم تعد فاعلة من الناحية السياسية خصوصاً عند مقارنتها بأجندة "الديمقراطيين"، الذين يستطيعون تنفيذ كل تلك الأمور بطريقة أفضل. لا لإرسال قوات للكونغو: كتب "سايمون تيسدال" مقالًا تحت هذا العنوان بدأه بالقول إن الحديث عن إرسال قوات عسكرية للكونغو" لحل الأزمة الطاحنة هناك ليس إلا وهماً دبلوماسياً، يمكن أن يتحول على وجه السرعة إلى كابوس، لأنه حل غير قابل للتحقق دون التزام حقيقي من دول الاتحاد الأوروبي بإرسال القوات، وهو التزام يبدو غير وارد في الوقت الراهن. وهو يرى أن الكونغو محتاج إلى"اهتمام متواصل" من جانب العالم، وليس إلى حقنة إسعاف سياسي عاجلة لأن حل الصراعات في الكونغو ومنطقة البحيرات العظمى على وجه العموم، يحتاج إلى استراتيجية شاملة، وإلى اشتباك دبلوماسي متواصل وإلى قوات طوارئ قوية وقادرة، مع العمل من خلال الجهود الدبلوماسية على إقناع زعماء رواندا بإيقاف مساعدتهم لقائد التوتسي المتمرد "لوران ناكوندا"، وإقناع الرئيس الكونغولي "لوران كابيلا" والجيش الكونغولي في الوقت نفسه بتغيير موقفهما تجاه المتمردين وخصوصاً" قوات تحرير رواندا" FDLR، وميليشيات "ماي ماي" مع العمل بعد ذلك على الدخول في مفاوضات شاملة لمعالجة المشكلات الرئيسية في الكونغو، والتي تتمثل في نزع سلاح المليشيات، ودمج العناصر المتنازعة ومزجها في النسيج الوطني الكونغولي، والتدخل وتحقيق العدالة والمساواة بينها، واقتسام الموارد، وبناء مؤسسات الدولة. إعداد: سعيد كامل