الإبداع صفة مطلوبة وأساسية لتطور الأفراد والمجتمعات. وتحرص المجتمعات الحضارية دائماً على توفير بيئة تشجع الإبداع، وتعمل على تنميته وبالذات من خلال نظامها التعليمي، وتسخر له كل الموارد الأساسية كي تتاح الفرصة لجميع أفراد المجتمع للإبداع كل في مجاله وحسب قدراته. وإذا أردت أن تقيس مدى تقدم ورُقي أي مجتمع فانظر إلى مدى اهتمامه بنشر ثقافة الإبداع بين أفراده، والتي عادة ما تبدأ بالنظام التعليمي وتنتهي بتحولها إلى سلوك في حياة الفرد يستمر معه طيلة حياته. وقد أصبح الحديث عن تربية الإبداع جزءاً من أي مشروع تربوي في جميع الأنظمة التعليمية وبالذات في العالم العربي، ولكن عندما ننظر إلى الممارسات التربوية اليومية في مدارسنا نجد أننا نعمل بصورة منهجية على قتل الإبداع لدى المتعلمين، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو أسلوب التعامل مع الأخطاء. فالمتعلم كي يكتسب الخبرات الجديدة لابد أن يصيب ويخطئ، وهو لن يكون إنساناً ناجحاً إلا إذا حاول مرة وأخرى ولم ييأس من الفشل في المحاولة الأولى، ولذلك يقال إنه لا يعرف قيمة النجاح إلا من ذاق طعم الفشل. فالخطأ صفة أساسية في بني البشر، والجميع يقع في الخطأ، ولكن المهم كيف نتعامل مع الخطأ. هل نعتمد العقوبة كوسيلة أساسية لمعالجة الخطأ في مدارسنا وبيوتنا وأعمالنا كما هو الحال في أنظمتنا التعليمية؟ وهل العقوبة على الخطأ وسيلة سليمة لتصحيحه، وهل نتائجها إيجابية على سلوكيات الفرد؟ ولماذا اكتسب العديد منا في العالم العربي الكثير من الصفات السلبية في التعامل مع أخطائنا؟ أولاً نجد صعوبة كبيرة في الاعتراف بأخطائنا، ونحاول تبرير الخطأ بشتى الوسائل، بل نجد أنه من السهل إلقاء المسؤولية على الآخرين افتراء وظلماً بدلًا من الاقرار بها. وهذا كله لأننا اعتدنا في مدارسنا على أنه لابد من عقوبة لكل خطأ وأحياناً نعاقب على أخطاء غيرنا مثل العقوبات الجماعية التي تطبق في بعض مدارسنا. فالمتعلم إذا أخطأ وعوقب على خطأ يتولد لديه شعور بالتردد من المحاولة مر ة أخرى لأنه يخشى ان يخطئ فيعاقب، فيؤثر السلامة ويتجنب المحاولة مرة أخرى، ويعتاد على ذلك حتى يصبح الوقوع في الخطأ شيئاً مهيناً، وتكون النتيجة شخصية سلبية غير منتجة وغير فاعلة في مجتمعها. لأن الذي لا يخطئ هو الّذي لا يعمل. والخطأ مرحلة أساسية في رحلة التفوق والنجاح، وأفضل البرامج التعليمية هي التي تجعل تصحيح الخطأ على المتعلم أمراً هيناً وسهلاً وتكسبه مهارة التعرف على أخطائه واكتشافها والتعامل معها بحرفية وشفافية ووضوح وتوجد البيئة التي تتقبل الخطأ وتحسن التعامل معه بدلًا من تجاهله والاستسلام له. ومن خلال هذه البرامج يكتسب الأفراد مهارة الإبداع لأنهم لا يخشون تكرار المحاولات لتحقيق النجاح ويتعاملون مع الخطأ على أنه بوابة النجاح. وأينما وجدت مثل هذه البيئة أبدع الإنسان ولذلك تجد أن بعض الأفراد قد يعد فاشلاً في دراسته، ولكنه يعتبر من الناجحين في الحياة العملية، وذلك لأنه وجد البيئة التي لم يعد يخشى العقوبة فيها فاجتهد وأبدع وتميز على كثير ممن كانوا أفضل منه دراسياً.