قرأت، الأسبوع الماضي، في إحدى الصحف المحلية تصريحات عن تشكيل شرطة دبي لـ"دوريات إلكترونية" تجوب الإنترنت على مدار الساعة لرصد أي تجاوزات أو جرائم تحدث على "الشبكة العنكبوتية"، وأحسست من هذه التصريحات أنها تدعو أكبر حشد من مجرمي الإنترنت المستهدفين بهذا التوجه لأخذ الحذر والحيطة مما هو قادم باعتبار أن الرقابة الأمنية للمواقع الإلكترونية أمر متبع أصلاً لدى الكثير من الدول العربية وغيرها. هذه الخطوة تطور نوعي أسعدنا كثيراً، لكنه مع ذلك لا يعني أنه لا يثير التساؤلات حول فرص نجاح هذه الدوريات في الوصول إلى هدفها الحقيقي، بعد أن أعلنت الشرطة عنه وكشفت خطتها فأصبح الأمر بالإضافة إلى أنه مكشوف ومعروف أن هذا الشرك أو المصيدة فقدَ أهم أساسياته؛ وهو التستر والاختفاء. بهذه التصريحات أصبح الأمر عادياً، وفي الوقت الذي يقصد فيه بث رسائل طمأنة بات الأمر يثير الشكوك، والسبب أن المسؤول الأمني يكشف عن الشرَك (الفخ) الذي وضعه لمن تستهدفهم الشرطة الإلكترونية ممن يستخدم المنتديات ومواقع الدردشة "الشات" وهذا لم يكن غير معروف لديهم. مربط الفرس هنا، أنه بقدر ما تكون غامضاً بالنسبة للجهات المستهدفة تكون النتيجة فعالة، وأعتقد أنها حقيقة يتعذر إنكارها، خاصة في التحريات؛ لأن هذا هو التوظيف الصحيح في التعامل مع مثل هذه القضايا. لا يمكنني، بأي حال من الأحوال، أن أدعي أنني أفهم في تكتيكات الأمن واستراتيجياته ما يتجاوز ما لدى الأجهزة الأمنية من وعي بكيفية وضع الفخاخ للمجرمين، لكنها فقط محاولة للتفكير معهم خاصة أنني أعتقد أن خطر المجرمين وكيفية مواجهاتهم هو مسألة تستحق النقاش بصوت عال من الجميع لتحقيق الفائدة، كما أنها تستحق الاهتمام من الجميع، لذلك يبدو لي أن التصريحات هي مخالفة لأحد المبادئ الأمنية بأن نجاح الشرك يعتمد على السرية. وحتى أكون أكثر صدقاً، فإن الذي فعلته بعد التصريحات بيوم أنني قمت بالدخول إلى المنتديات ومواقع "الشات" لمعرفة ردود الفعل وكذلك ألقيت سؤالاً لبعض الأصدقاء: هل هكذا يكون العمل، وفي الحالتين حصلت على إجابات ومعلومات أكدت ولو بعض ما كنت مقتنعاً به. عندنا تجربتان وهما وإن كانتا بعيدتين عن موضوع التصريحات، لكنهما يمكن الاستفادة منهما في مسألة رقابة "الشبكة العنكبوتية"، باعتبار أن الهدف واحد. التجربة الأولى توضح "قصة نجاح"، والثانية تكتشف الفشل في كيفية التعامل مع مجرمي الإنترنت نتيجة للإعلان بأن هناك رقابة على مستخدمي الشبكة ممن يمثلون تهديداً للأمن الوطني والفردي. التجربة التي حققت النجاح كانت التجربة السعودية بعدما تكتمت على متابعتها لأنشطة "القاعدة" واستطاعت أن تستدرج الكثيرين من عناصرها بل وأعلنت النتائج مؤخراً فقط وأنه كانت هناك مراقبة إلكترونية عليهم. أما التجربة الثانية فهي متعلقة بالحرب على الإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية مع "القاعدة" أيضاً، حيث استطاع "التنظيم" استدراج الجيش الأميركي إلى مناطق معينة في العراق، وقد جاء في بعض التحليلات، أن "القاعدة" بدلاً من أن يتم استدراجها للوقوع في فخ القوات الأميركية استطاعت استدراج القوات الأميركية إلى العراق بعد أن استعدت لها وبالتالي حققت "القاعدة" نتائج مبهرة بفضل كشف "الفخ" وقد نصبته للأميركيين في المكان الذي تريده وفي الوقت الذي تحدده. بمجرد قراءتك للخبر تشعر أن هناك شيئا غير طبيعي في العلاقة بين عمل فخ أو شرك لصيد المجرمين وبين فعاليته بعد الإعلان عنه في وسائل الإعلام وبالخط العريض أيضاً. وجود شرطة إلكترونية أمر مفيد وضروري من ناحية التعامل مع الجرائم الإلكترونية، خاصة بعد أن رصدت شرطة دبي (222) واقعة احتيال وابتزاز، لكن بما أن بعض المجرمين الخطرين نظراً لكونهم أخطر من المحتالين، فإنهم يعتبرون أحد الأسباب الرئيسية لإنشاء رقابة الإنترنت، لذا فإن الأمر قد ينعكس على الهدف الحقيقي الذي قامت من أجله وهو الحفاظ على المجتمع واستقراره من الجماعات السياسية ذات البعد الديني بعد الإعلان في وسائل الإعلام. نحن فعلاً بحاجة إلى تدخل من الأجهزة الأمنية إلا أن طريقة التحذير تفتح أذهان المجرمين لأن يكونوا أكثر حذراً من أي مواقع قد تكون الشراك أو "الطعم" المراد سقوط المجرم فيه، خاصة وأنها أصبحت تتفنن في خلق الطرق الجديدة التي من خلالها تتراكم الخبرة العلمية فتصبح بدلا من استدراج المجرمين يتم استدراج الآمنين إلى فخاخ أخرى. خلاصة الكلام أن الدولة بحاجة إلى مثل هذه الرقابة، وما لم نكن دقيقين في وضع الفخاخ والشراك فإن الأمر قد يصبح محدود النتائج.