نشعر بالملل والتقزز من الحالة العربية، ويبدو لنا أن الوضع عاد مُيَئساً للأنظمة والشعوب معاً، فالشعوب تبحث عن مخرج لكنها تحمل على كاهلها ثقل الخيبات العربية حيث تدربت على التصفيق والصراخ ولم يعد بإمكانها سوى الاستمرار وتجاهل الحالة العربية. في العراق يتقاتل الأشقاء ومازالت الجماعات الراديكالية أياً كان انتماؤها تقتل الأبرياء ولا تريد للعراق أن يخرج من محنته. في العراق يقولون لنا: الديمقراطية في الطريق، والناس يسألون أنفسهم: كيف كان لصدام حسين ببطشه أن يمسك بالفسيفساء العراقي؟ هل كان الاستبداد سيد الموقف؟ وهل الشخصية العراقية، أو العربية، لا تعيش إلا في بيئة التسلط، وهي دائماً تبحث عن من يسوقها إلى الطريق أم أن الثقافة العربية عبر عصور غرست سمات الذل والطاعة العمياء؟ اليوم يفترض أن يفرح أهل العراق في ظل الديمقراطية التي كان الكل يتشدق بها، لكنهم لا يعرفون كيف يحلوا صراعاتهم، فهم يتقاتلون على السلطة ولم يتقاتلوا عليها إبان حكم صدام. ثمة علة في مكان ما وهي ليست علة عراقية فقط وإنما عربية أيضاً، فالعراق هو جزء من النسيج العربي وهو نتاج لثقافة مشتركة لا يمكنها التعايش مع الديمقراطية ولا ترضى بحكم العقل ولا تؤمن بحق الوطن على الجميع. أميركا تسعى إلى توقيع اتفاقية منقوصة في الحق العراقي ولا تعبأ بمستقبل العراق، وهي تبذل كل ما لديها من قوة لاستمرار الهيمنة على أرض العراق، والعرب لا يهمهم ما يحدث في العراق، فهم فرحون بحاله البائس. العراق يسعى إلى عقد اتفاقية منصفة، لكنه لا يجد من يناصره، وهكذا يترك لمواجهة الوضع دون اكتراث عربي. أميركا تشن غارات على سوريا وغير عابئة بمقتل الأبرياء، وتحت راية محاربة الإرهاب تسفك الدماء وينهش الجسد السوري والعرب لا يهمهم ما يحدث لسوريا. معارضو النظام في سوريا يكررون نفس الأخطاء، فهم يؤيدون الضربات الأميركية لأنهم يرون فيها إضعافاً للنظام، وهكذا يختلط كل شيء علينا وندخل في مواجهات نحن في غنى عنها وكأننا لا نتعلم من دروس الماضي. جامعة الدول العربية لم تعد عربية، فهي تعيش في عالمها ولم تعد تفكر في حق الأعضاء عليها ولا تريد أن تعترف بالواقع وتوفر الأموال وتعلق أبوابها، فهي حلم العرب الذي لم يتحقق ولن يتحقق في المستقبل المنظور، ومع ذلك فالجامعة العربية مازالت "فاعلة"! فالعرب يجتمعون كلما حلت أزمة ويقرؤون بياناتهم ثم يغادرون معتقدين أنهم أدوا واجبهم. المواطن البسيط يجري وراء لقمته وينام ويصحو وهو يردد بأن الأمل مازال وأن الفرج قادم، فهو تعلم في المدارس بأنه كلما تعذب الإنسان في الأرض وصبر على عذابه، كلما اقترب الفرج، وهكذا يتحول العذاب إلى مرحلة لابد أن نمر بها ونعيشها، فنحن شعوب تعودنا على كل التناقضات، ولم نعد نرى سوى الزعيم المنقذ وحتى يأتي علينا أن نصبر على كل الويلات. يسأل المرء نفسه: أين تكمن العلة؟ هل هي في الثقافة والشخصية العربيتين أم أنها علة جينية؟ نحن كباقي شعوب العالم نحمل الخير والشر، لكن كيف استطاعت الشعوب الأخرى أن تنفض الغبار عنها وتشق طريقها! النخبة قادتنا من فشل إلى فشل والأنظمة غير عابئة، فهي الوصي علينا وهي من يفكر لنا. نجد التبرير لكل أصناف الراديكالية حيث هم ملوا وسئموا الحياة وهم لا يفرقون بين موتهم وحياتهم طالما يشعرون بأن وجودهم معدوم، وهكذا يضيع كل شيء من أيدينا على أمل أن يخرج المنقذ ليخلصنا من بلوتنا!