يرتدي موظفو الدبلوماسية العامة الأميركيون اليوم الحذاء العسكري، بدلاً من الأحذية المدنية العادية. كما يلاحظ أن وزارة الدفاع الأميركية تقف في الصف الأمامي لجهود كسب الرأي العام الخارجي لصالح بلادنا، وتحسين علاقاتها مع مختلف الشعوب. وفي حين تتولى وزارة الخارجية رسمياً قيادة هذه الجهود، إلا أن وزارة الدفاع هي التي يتوفر لها ما يكفي من الموارد المالية والبشرية اللازمة للقيام بهذه المهمة الدبلوماسية! ويعد هذا النهج على درجة من الخطورة. ذلك أن الرسالة التي يستقبلها الرأي العام الخارجي -وليست تلك التي نبعث بها نحن إليه- تختلف تمام الاختلاف، عندما تكون صادرة عن البنتاجون وليس عن الخارجية الأميركية. والمقصود بهذا أن وضعنا للعسكريين -وليس الدبلوماسيين المدنيين- في الصف الأمامي للتواصل وإقامة العلاقات الدبلوماسية مع العالم الخارجي، يرجح احتمالات الفشل وليس النجاح، إلى جانب تشويهه لأولوياتنا، وتقويض فعالية أجهزتنا المدنية. ووفقاً لآخر التقارير التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، فإنه يتوقع أن تنفق وزارة الدفاع الأميركية للمقاولين الخاصين مبلغاً قدره 300 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، لتمويل إنتاج برامج إخبارية وترفيهية للجمهور العراقي. والهدف من هذه الجهود كما يقال، هو التواصل مع الشعب العراقي، وإلهامه والتأثير عليه بما يحفزه على دعم الأهداف التي ترمي إليها الحكومتان الأميركية والعراقية معاً. وفي وسع هذه الجهود أن تثمر وتحقق نتائج قوية، فيما لو أحسن القيام بها، في إطار استراتيجية أوسع للتواصل، تهدف إلى حفز العملية السياسية والمصالحة الوطنية هناك، فضلاً عن تعزيز التنمية الاقتصادية. يجدر بالذكر أن وزير الدفاع روبرت جيتس، قد أجاد الحديث عن ضرورة استخدام الولايات المتحدة الأميركية للقوة الناعمة، إن أرادت حقاً خدمة مصالحها القومية. وربما تتخذ القوة الناعمة هذه أشكالاً شتى، إلا أنها تعني بالدرجة الأولى استخدام الثقافة والقيم والأفكار، لاجتذاب الشعوب الأخرى وكسب قلوبها وعقولها، بدلاً عن قهرها بواسطة القوة العسكرية والتهديدات الاقتصادية. وعقب نهاية الحرب الباردة مباشرة، كانت الولايات المتحدة قد دمرت ترسانة قوتها الناعمة، ما يلزمها الآن بإعادة بنائها من الصفر تقريباً. وقد استغلت وزارة الدفاع هذا الفراغ فقفزت فيه. وعلى سبيل المثال، تشير استطلاعات الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط، إلى انعدام الثقة في نوايا أميركا تجاه دول المنطقة، بينما يسيطر القلق من أن تكون واشنطن عازمة على فرض هيمنتها العسكرية عليها. وعليه فإن من الواجب أن نضع اعتباراً لمثل هذه المخاوف، بحيث نوكل مهمة التواصل وبناء الثقة مع هذه الشعوب القلقة للمدنيين، بمن فيهم أولئك الذين لا يعملون في وكالاتنا ومؤسساتنا الحكومية. ولا يقتصر دور هؤلاء المدنيين في أن يكونوا واجهة لتواصل أميركا مع شعوب العالم الخارجي فحسب، بل إن عليهم وضع التكتيكات والاستراتيجيات القادرة على حفز مصالح السياسات الخارجية الأميركية، عن طريق التعاون الوثيق مع مسؤولي وزارة الدفاع والقادة العسكريين. والصحيح أن هذه المهمة برمتها هي من صميم اختصاص وزارة الخارجية، التي تقع عليها مسؤولية صنع السياسات الخارجية لبلادنا وتطبيقها. ولك أن تتخيل أن مبلغ الـ100 مليون دولار سنوياً المخصص لإنتاج برامج إخبارية وترفيهية للجمهور العراقي -حسبما ورد أعلاه- لا يشكل سوى مورد إنفاق واحد فحسب، على برنامج من البرامج الشبيهة التي تقودها البنتاجون سنوياً. وتكتمل الصورة عند القول إن ذلك المبلغ يمثل حوالي ثُمن إجمالي ميزانية وزارة الخارجية وبرامجها التي تديرها على نطاق العالم كله. وربما تتطلب الحالة العراقية الخاصة، إعطاءها كل هذا القدر من الاهتمام والأولوية ضمن جهود التواصل التي تبذلها البنتاجون، إلا أن المرجح هو عدم حدوث أي مناقشة حكومية واسعة النطاق لأولويات جهود الدبلوماسية العامة هذه. وفي حين يعد مبلغ 100 مليون دولار مبلغاً كبيراً لتمويل برامج الدبلوماسية العامة في العراق، إلا أنه يكاد لا يساوي شيئاً، مقارنة بميزانية وزارة الدفاع اليومية في العراق: 434 مليون دولار! وعلى وزارة الخارجية أن تضع من السياسات وبرامج التواصل القصيرة والبعيدة المدى، بما فيها برامج التبادل التعليمي، ما تصل ميزانيته السنوية إلى 800 مليون دولار. كما يتعين على الرئيس المقبل والكونجرس أن يعيدا العمل الدبلوماسي إلى الدبلوماسيين المدنيين، على أن يعمل هؤلاء بالشراكة مع البنتاجون، شريطة ألا تكون البنتاجون واجهة علاقاتنا الدبلوماسية وتواصلنا مع شعوب العالم الخارجي. كريستين إم. لورد زميلة بمشروع علاقات أميركا مع العالم الإسلامي ودراسات السياسات الخارجية بمؤسسة بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"