في منتصف الأسبوع الماضي، تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر نجاح شركة فرنسية (Carmat) متخصصة في مجال البيوتكنولوجي، وبالتعاون مع أحد أشهر خبراء زراعة القلوب في العالم (Prof. Alain Carpentier)، في تصميم قلب اصطناعي جديد. ويتوقع أن تبدأ التجارب العملية للقلب الجديد بداية من عام 2011، على أن يصبح متوفرا للاستخدام الفعلي في عام 2013. ويتميز القلب الجديد بخصائص فريدة، منها أنه يعتمد على أنسجة حيوانية تمت معالجتها بطريقة خاصة (Biomaterial)، بالإضافة إلى احتوائه على مجسات أو حساسات إلكترونية (Electronic Sensors)، مثل المجسات نفسها التي تستخدمها الطائرات والمركبات الفضائية لقياس الضغط الجوي الخارجي. وهو ما يمنح القلب إمكانية الاستجابة الفورية لاحتياجات الجسم، تبعاً لمستوى ضغط الدم في الأوردة والشرايين. وهذا التطور المهم، هو مجرد خطوة أخرى على طريق طويل، بدأه الأطباء منذ عقود بهدف تخليق بديل كهربائي- ميكانيكي يقوم بوظائف القلب، كحل أخير لأكثر من 20 ألف مريض حول العالم، تعطب قلوبهم كل عام، ويعجز الطب الحديث عن تقديم بديل مناسب لهم. فعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، لا زالت عمليات نقل وزراعة القلوب محدودة الاستخدام بشكل كبير، بسبب تعقيدها البالغ، وتكلفتها المرتفعة، واحتياجها لتثبيط جهاز المناعة بشكل دائم، بالإضافة طبعاً إلى النقص الحاد في ما هو متوفر من قلوب طبيعية صالحة للزراعة، مثلها في ذلك مثل عمليات زراعة الأعضاء بأنواعها المختلفة. وبخلاف هذه الأسباب جميعها، يعتبر القلب إلى حد كبير جهازاً بسيطاً، لا يزيد عن كونه عضلة متخصصة تضخ الدم إلى بقية مناطق الجسم، وهو ما جعله هدفاً للاستبدال بأجهزة اصطناعية منذ منتصف عقد الخمسينيات. ولكن في الحقيقة، تعتبر هذه (المضخة) من أكثر الأجهزة الكهربائية- الميكانيكية تعقيداً على الإطلاق، حيث لا تضاهي أية مضخة صنعها الإنسان حتى الآن، قدرة القلب على الاستمرار في وظيفته لفترات قد تصل أحياناً إلى 120 عاماً لدى بعض الأشخاص. وهذا ربما يعود إلى الإمكانات العجيبة المميزة للقلب الطبيعي، التي تضعه في مصاف معجزات الَخلق، من هذه الإمكانات، كون القلب ينقبض 100 ألف مرة في اليوم الواحد، في كل يوم من أيام حياة الإنسان، منذ ولادته إلى آخر أيام عمره والذي يبلغ أحياناً أكثر من مئة عام. ويضخ القلب في الدقيقة الواحدة عشرة ليترات من الدم، أو ما يعادل 15 ألف ليتر في اليوم الواحد، وهي كمية كافية لملء خزانات المياه التي تعلو العمارات الشاهقة في المدن الحديثة. ويضخ القلب هذه الكمية الهائلة عبر جهاز متكامل من الشرايين والأوردة والأوعية الدموية، يبلغ طولها أكثر من 90 ألف كيلومتر، أو ما يزيد على ضعفي محيط الكرة الأرضية كلها. وهذه القدرات والخصائص العجيبة للقلب، هي السبب في فشل محاولات العلم الحديث حتى الآن في استبدال القلب بمضخة كهربائية، ولو حتى لسنوات معدودة فقط. وهذا لا يعني أن جهود العلماء في هذا المجال قد ذهبت سدى، بالنظر إلى التطورات الجانبية المهمة التي أثمرت عنها جهودهم في هذا المجال. فقبل بضع سنوات قليلة، اكتشف الأطباء استخداماً فريداً للقلوب الاصطناعية، وهي قدرتها على رفع العبء عن القلوب المريضة، مما يتيح لها فرصة الالتئام والشفاء. وربما كانت أشهر الحالات التي استفادت من هذا الاستخدام، هي حالة فتاة كندية، تمت زراعة قلب اصطناعي لها قبل عامين، كحل مؤقت إلى أن يتوفر لها قلب للزراعة، بعد أن فقد قلبها قدرته على الاستمرار في العمل. وكانت المفاجأة أنه بعد مرور بضعة شهور من زراعة القلب الاصطناعي، تمكن القلب الطبيعي من إصلاح ما كان به من عطب، وعاد لتأدية وظائفه بشكل تام، مما حدا بالاطباء إلى إزالة القلب الاصطناعي لتعيش بعدها الفتاة حياة طبيعية بقلب طبيعي سليم. هذا السيناريو، مشابه إلى حد كبير لتطبيقات ما يعرف بالأجهزة المساعدة للبطين (Ventricular Assist Devices)، أو الأجهزة المساعدة للقلب. وهذه الأجهزة تستخدم لدى المرضى الذين لم يفقدوا وظائف القلب وقدرته بالكامل، ولكن فقدوا منها قدراً يعيقهم عن الحياة بشكل طبيعي. ولذا تستخدم الأجهزة المساعدة للقلب، ليس لاستبداله بالكامل، بل فقط لإعانته على تأدية وظائفه بشكل طبيعي قدر الإمكان. وأحد تلك الأجهزة (Kantrowitz CardioVad)، يمكنه مثلاً تحمل 50% من العبء الذي يتحمله القلب. وهو ما يعني أنه يمكِّن المرضى الذين فقدت قلوبهم نصف قدرتها، على الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي إلى حد ما. ومن دواعي الاستخدامات الأخرى التي تطبق فيها الأجهزة المساعدة للقلب، إبقاء المرضى الموجودين على قوائم الانتظار الخاصة بعمليات زراعة القلوب على قيد الحياة، إلى أن تتوفر لهم قلوب صالحة للزراعة. ويمكن لهذه الأجهزة دعم ومساعدة المرضى صغار السن، لفترة قد تصل إلى عشرة أو خمسة عشر عاماً، إلى أن يحين دورهم لاستبدال قلوبهم الطبيعية. ومثل هذه الاختراقات، تظهر أنه على رغم عدم قدرة الطب الحديث على تخليق قلب اصطناعي عملي حتى الآن، إلا أن التطورات المتلاحقة في مجالات هندسة الأجهزة التعويضية، وعلوم الكمبيوتر، والإلكترونيات، وحتى تكنولوجيا البطاريات وخلايا الوقود، تزيد الآمال أن يوماً ما سينجح الأطباء في إيجاد بديل دائم لهذا العضو المعجزة، الذي يبدأ خفقانه ونحن لازلنا في أرحام أمهاتنا، إلى أن يعلن توقفه عند بلوغنا نهاية العمر.