مع الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الجديدة في العاشر من فبراير 2009، عاد بنيامين نتانياهو الزعيم الحالي لحزب "الليكود" إلى واجهة الصحف ووسائل الإعلام. ومن المعروف أن استطلاعات الرأي العام خلال العامين اللذين قام فيهما حزب "كاديما" برئاسة الحكومة منذ 2006 كانت تسير في اتجاه دفع شعبية نتانياهو، خاصة بعد الفشل السياسي والعسكري الفاضح الذي وقع فيه رئيس الحكومة إيهود أولمرت في حربه على لبنان. دعونا من هذه النقطة، ولنمسك بدلالات عودة نتانياهو للواجهة السياسية: الدلالة الأولى تفيد بأن غالبية عينات الاستطلاع من الجماهير الإسرائيلية راحت نتيجة لخيبة الأمل في الأداء السياسي والعسكري لحكومة حزب "كاديما" تتطلع إلى زعامة قادرة على استرداد الكرامة الإسرائيلية المفقودة في ميدان القتال، وهنا يرمز نتانياهو إلى التطرف "اليميني" المطلوب عند الجماهير. أما الدلالة الثانية، فتتعلق بمنهج حكومة "كاديما" في التفاوض حول التسوية مع الفلسطينيين. فلقد مزجت هذه الحكومة بين معسول الكلام والوعود في مؤتمر أنابوليس الذي انعقد في نوفمبر 2007 للعالم الخارجي والعرب، فخسرت الجماهير المتطرفة وفي الوقت نفسه، واصلت سياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وسياسات الحصار وتقطيع أوصال الحياة الفلسطينية في المنطقة الخاضعة لسلطة الرئيس محمود عباس- شريكها التفاوضي- فأحرجت الرجل أمام شعبه، وفي الوقت ذاته، مارست لعبة تضييع الوقت الموعود حتى كاد عام 2008 الذي وعد مؤتمر انابوليس بإنهاء التفاوض فيه لإقامة الدولة الفلسطينية ينقضي، ويلفظ أنفاسه الأخيرة دون أي جدوى، هنا فقدت حكومة "كاديما" جزءاً كبيراً من شعبيتها لدى الجماهير المنحازة لعملية السلام، والتي صوتت لحزب "كاديما"، ووضعته في مقدمة أحزاب الكنيست عام 2006 إلى أن تولت "ليفني" زعامة الحزب. ومن الواضح للناخبين أن "تسيبي ليفني"، التي تولت رئاسة الحزب بعد فضائح أولمرت المالية، أبدت تشدداً في المفاوضات الائتلافية الأخيرة مع مطلب حزب "شاس" بعدم التفاوض حول القدس، وهو ما قد يعيد إلى "كاديما" رصيده من المؤيدين لحل إقامة الدولة الفلسطينية ومقايضة الأرض بالسلام، غير أنه من الصحيح أيضاً أن موقفها هذا سيدفع جماهير "اليمين" ومؤيدي الأحزاب الدينية إلى محاولة تعبئة جماهير "الوسط" ضد "ليفني" وحزب "كاديما" في الانتخابات المقبلة. مفهوم هنا بالطبع أن هذه التعبئة ستصب في مصلحة نتانياهو، الذي أطلق حملته وراح يذكر بمبادئه مبكراً من على منصة الكنيست يوم الاثنين الماضي 2008/10/27، والتي تغازل أطماع التوسع الإسرائيلي، ونعرة القوة، والجمع بين الأرض والسلام. وفي أعقاب خطابه المذكور في الكنيست، أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت أن رصيد حزب "ليكود" من مقاعد الكنيست سيرتفع من 12 مقعداً حالياً إلى 26 مقعداً في انتخابات فبراير القادم في حين أن استطلاعاً آخر أجرته صحيفة "معاريف"، قد أفاد أن رصيد "ليكود" بزعامة نتانياهو، سيرتفع إلى 29 مقعداً. الدلالة هنا هي أن الخطاب المتطرف لنتانياهو قد رفع أسهمه بسرعة في سوق استطلاعات الرأي، وهو ما يعني أن مزاج التطرف يكسب أرضاً مضاعفة. لقد حدد نتانياهو مبادئه في الخطاب المذكور بأعلى نبرات التطرف السياسي حيث قال: إنه يرفض التفاوض على قضيتي القدس واللاجئين الفلسطينيين، كما يرفض العودة إلى حدود عام 1967، كما يرفض تسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية عن الأمن، كما يرفض الانسحاب من هضبة الجولان، وكذلك يصمم على ضم مساحات واسعة من الضفة إلى إسرائيل. في إطار كل هذه المبادئ المتطرفة الصريحة لم ينس نتانياهو أن يؤكد أنه من دعاة السلام، ولكن السلام الذي يتحقق من منطلق القوة لا الضعف. هذا يعني لدى جماهير ناخبي "الوسط" أن الرجل قادر على تلبية أحلامهم في السلام مع العرب، وأن يأتي لهم في الوقت نفسه بمكاسب توسعية وسياسية. تفوق "ليفني" على نتانياهو بمقعدين في الاستطلاعين المذكورين، يعني أن المنافسة شديدة مع عودة نتانياهو للواجهة، وأن هذه العودة لا تعني قطعياً رئاسته للحكومة.