الموضوعات الحقيقية في الانتخابات الأميركية الحالية هي مستقبل الاقتصاد ومستقبل السياسة الخارجية الأميركية. والموضوع الأول يبدو مستقراً ولا خلاف عليه بالفعل.. أما الثاني فعلى ما يبدو أنه يوحد باراك أوباما وجون ماكين حول دعم برنامج محكوم عليه مسبقاً بالفشل. ولئن كان الأول يتعلق بأيديولوجية اقتصادية، وقد قدم ماكين في إطار مناقشته تلك الحجة "الجمهورية" التقليدية، التي تقوم على أن تخفيض الضرائب -خصوصاً على الأغنياء- هو الذي يساعد على النمو الاقتصادي، وأن الأسواق هي أفضل آلية ممكنة لاتخاذ الخيارات الاقتصادية، وينبغي بالتالي ألا يتم فرض قيود تنظيمية عليها. تلك الحجة يكاد يكون من المستحيل الآن تقريباً الدفاع عنها، وخصوصاً بعد أن اعترف "آلان جرينسبان" نفسه بأن الاعتقادات الراسخة التي آمن بها طيلة حياته قد ثبت خطؤها. يذكر أن تلك الاعتقادات تقوم على تعاليم الكاتب الشهير "إين راند" الذي كان يرى أن الأنانية الفردية هي أكبر فضيلة عمومية يمكن العثور عليها في الدول الرأسمالية، وهي مقولة أثبتت الأزمة المالية الحالية بشكل قاطع أنها غير صحيحة. أما السيناتور أوباما فيؤمن بأن الأسواق ينبغي أن تُنظّم، وبأن الحكومة ينبغي أن تلعب دوراً لا غنى عنه في تحديد مسار الاقتصاد.. وهذا ما جعل ماكين يهاجمه ويتهمه بأنه "اشتراكي"، وهي تهمة لا معنى لها في الحقيقة إذ من المعروف أن الاشتراكيين الوحيدين الناشطين في العالم الصناعي في الوقت الراهن هم أعضاء الأحزاب الأوروبية الكبيرة الذين يتناوبون الأدوار مع المحافظين والوسطيين في قيادات اقتصادات ناجحة وقادرة على المنافسة. وبناء على ما تقدم، فإن الأصوات ينبغي أن تذهب إلى أوباما الذي يبدو من الواضح أنه على تماس أفضل مع حقائق الواقع مقارنة بمنافسه. والموضوع الثاني الكبير وهو موضوع السياسة الخارجية والأمنية الذي شهد نقاشات حامية بين المرشحين الرئاسيين حيث اختلفت آراؤهما بشأن الكيفية والتوقيت اللذين ستقوم أميركا به بسحب قواتها من العراق، وبشأن ما إذا كان يتعين أن تعطى الأولوية لأفغانستان أم العراق، على أساس أنها تمثل ميدان الحرب الحقيقية على الإرهاب. ومن المتوقع أن تؤدي تطورات الأحداث الجارية في الوقت الراهن في العراق إلى جعل السجال الدائر حوله سجالاً لا معنى له. فهذه التطورات لم تعد تتعلق أساساً بالانسحاب ولا كيفيته، وإنما هي تطورات سياسية وطائفية في طبيعتها تدور حول كردستان، وحول الجهة أو الطرف الذي ينبغي أن تكون له السيطرة على كركوك، وعلى عائدات إنتاجها من النفط إضافة إلى الاتفاق الأمني. ومعنى ذلك أن الأمر في نهاية المطاف سيكون في أيدي العراقيين وليس في أيدي الأميركيين: فالعراقيون هم الذين سيقررون جعل الوجود الأميركي سواء أكان عسكرياً أو سياسياً أمراً غير قابل للإدامة بصرف النظر عن شخصية الرئيس الموجود في واشنطن. ومن ناحية أخرى نجد أن إيران سيكون لها نفوذ كبير على عملية اتخاذ القرار في العراق، بسبب قربها الجغرافي الذي يجعلها تشكل تهديداً عسكرياً للقوات الأميركية في بلاد الرافدين، هذا إضافة إلى ما لها من نفوذ على الجماعات الشيعية سواء الدينية أو السياسية الموجودة هناك. وبحلول شهر يناير المقبل ستحمل الأوضاع في أفغانستان شبهاً محدوداً لما هي عليه الآن.. بل إن هناك احتمالاً كبيراً لأن تؤدي المفاوضات التي تدور بشكل متقطع بين الحكومتين الأفغانية، والباكستانية، وبين زعماء القبائل، وبعض زعماء "طالبان"، إلى إيقاف العنف قبل ذلك التاريخ -أو ربما تدفع به إلى وضع أسوأ من الوضع الحالي. وبناء على ذلك، يمكن القول إن الوعد -الذي يبدو بشكل متزايد أنه كان وعداً مُضللًا- الذي قطعه أوباما على نفسه بجعل أفغانستان ساحة للحرب الحقيقية، وبأنه سيدخل إلى هناك ويقبض على أسامة بن لادن إذا لم يقم الباكستانيون بتسليمه، قد يبدو وعداً أجوف للغاية بحلول ذلك التاريخ (يحدد السيناتور ماكين القبض على أسامه بن لادن باعتباره شرطاً يجب على أميركا أن تستوفيه قبل أن تعلن انتصارها على الإرهاب). وفي ذات الوقت تقدم باكستان احتمالات لحدوث سيناريوهات غير سارة بالنسبة للولايات المتحدة حيث يمكن بحلول يناير القادم أن تكون قد اندلعت فيها أعمال عنف كثيرة. إن السؤال الجوهري الذي يجب طرحه على المرشحين الاثنين هو عما إذا كانا ملتزمين ببرنامج أحادي للتدخل الأميركي المستمر عسكرياً وسياسياً في العالم الإسلامي بهدف تحويل بعض الدول الاستبدادية والفاشلة فيه إلى ديمقراطيات ترتبط بالولايات المتحدة بعلاقات جيدة؟ ولو طرح هذا السؤال اليوم على المرشحين فإن الاحتمال الأرجح هو أن يكون ردهما عليه بالإيجاب. وهذا في الحقيقة ليس بالشيء الجيد بالنسبة لنا، وبالنسبة لأمثالنا مما سيستمرون في دفع ثمن هذا الخيار الذي يجد موافقة من قبل العديد من الأطراف في المعسكرين "الديمقراطي" و"الجمهوري" ومن خارجهما. ونظراً إلى أن المرشحين الرئاسيين يبدوان متفقين على هذه السياسة في الوقت الراهن، فإن السؤال النهائي في هذه الحالة لن يكون: من منهما سينفذها بشكل أفضل.. ولكن أيا منهما سيكون أسرع من قرينه في إدراك استحالتها؟ إن أوباما يبدو رجلًا ذكياً بالفعل، وهو الرجل الذي سأمنحه صوتي المشوب بالشك من ناحية، والمفعم بالأمل من ناحية أخرى. ويليام فاف ـــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"