الانتخابات الأميركية: هل تتكشَّف عن "ثورة"... أم "مفاجأة"؟ الطريقة التي تحول بها ساركوزي إلى منظر "اشتراكي" خلال الأزمة المالية، ومظلة الأمان المالي التي وفرها "اليورو" للدول الأوروبية، ونهاية حملة الانتخابات الأسطورية الأميركية، موضوعات ثلاثة حضرت بقوة في افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. ساركوزي والتوظيف السياسي للأزمة المالية: رصد "ديدييه بوركيري" في افتتاحية كتبها لصحيفة ليبراسيون المفارقات القائمة بين ما كان يرفعه الرئيس نيكولا ساركوزي من شعارات وحلول لقضايا اقتصادية كالبطالة والقدرة الشرائية وسوى ذلك، وبين الخطوات التي اتبعها لتطويق تداعيات الأزمة المالية العالمية. ويرى الكاتب أن آثار الأزمة في فرنسا ستكون ممتدة لزمن أطول بكثير مما قد يبدو لأول وهلة، ومن ثم فإن الحديث عن طي صفحتها الآن يتجاهل آثارها العميقة التي لا يراد الحديث عنها. وفي الاتجاه نفسه يذهب "جان بول بييرو" في افتتاحية "لومانيتيه"، إلى أن جميع التدابير والحلول التي اتخذت لا تغير شيئاً من حقيقة جوهرية هي أن المنظومة الرأسمالية أصبحت في أزمة حقيقية، وليس الحديث عن إضفاء طابع أخلاقي عليها سوى نوع من المغالطة. والراهن الآن هو أن ثمة معركة إيديولوجية باتت نتائجها بادية للعيان لكل من يريد رؤيتها. ولا يغير شيئاً من هذه الحقيقة القول إن الأزمة عابرة، وذلك ببساطة، لأن خط نهايتها ليس معروفاً ولا ظاهراً في الأفق حتى الآن. ولذا فإن التحدي الذي يتعين على قوى "اليسار" في فرنسا الاشتباك معه اليوم هو إجهاض هذه "الرأسمالية الجديدة" التي يريد ساركوزي إعادة إطلاقها. أما باتريك فلوكيجر فقد ركز في افتتاحية "لالزاس" على الطريقة التي غير بها ساركوزي خطابه السياسي بفعل الأزمة، متخذاً منعرجاً كاملاً، حيث أصبح يتعاطى مفردات سياسية شبه اشتراكية، وأحياناً حتى أكثر يسارية من الطرح الاشتراكي. ومن ثم أصبح الحديث معتاداً عن الرأسمالية المتوحشة، وعن ممارسات المصرفيين الذين "لا يحترمون مقتضيات العقد الأخلاقي الموقع بينهم وبين الأمة". وسبب هذا التحول السياسي الكامل واضح تماماً، حيث يسعى سيد الأليزيه لتوظيف السجال حول الأزمة بطريقة سياسية تحرم منافسيه في الحزب الاشتراكي من استغلالها للتدليل على صحة ما ظلوا ينادون به من ضرورة ترويض جموح السوق، وإيجاد قدر أكبر من التدخل الحكومي في المشهد الاقتصادي بصفة عامة. أما الاشتراكيون أنفسهم فهم مشغولون بمتاهات أخرى بدل استغلال الفرصة السياسية الجاهزة التي حملتها إليهم الأزمة المالية على طبق من ذهب. "اليورو"... حماية لأوروبا: صحيفة لوموند خصصت افتتاحيتها ليوم أمس (السبت) للفت الانتباه إلى الدور الحامي اقتصادياً ومالياً الذي لعبته العملة الأوروبية الموحدة للتقليل من المخاطر التي كان يمكن أن تحملها الأزمة المالية للقارة الأوروبية. وتذهب الصحيفة إلى أنه إن كان ثمة رابح حقيقي من هذه الأزمة، فهو "اليورو" دون شك. فبعد سبع سنوات من إطلاقها مكنت العملة الأوروبية دول القارة العجوز من الصمود في وجه العاصفة المالية الهوجاء. ولولا وجودها لكان يمكن تخيل سيناريوهات كارثية مؤكدة: فقد كان محتماً تكرار تمزق الاقتصادات الأوروبية على نحو ما وقع في مطالع سنوات التسعينيات، خاصة عندما أخذت المصاعب في طريقها الاقتصادات الأوروبية الأكثر ضعفاً وهشاشة. والدليل على صحة هذا الطرح ما جرى الآن لبعض الدول الأوروبية التي لم تنضم إلى أسرة "اليورو". فقد وجدت دولة صغيرة مثل آيسلندا نفسها تحت رحمة عاصفة مالية تفوق طاقتها بكثير، في حين اضطرت المجر لطلب النجدة من صندوق النقد الدولي ومن الأجهزة الأوروبية. أما الدانمرك، التي تعد نموذجاً مثالياً للاقتصادات الإسكندنافية، والتي تربط عملتها باليورو، فقد اضطرت لطلب تدخل البنك المركزي الأوروبي. وبذلك ترسخت قناعة: أن البقاء خارج مظلة اليورو أمر بالغ التكلفة. وقد دعا الرئيس ساركوزي في بداية رئاسته الدورية للاتحاد الأوروبي إلى ترسيخ دعائم أوروبا محمية باليورو، بالطريقة المناسبة. وقد فعلها. فقد توافرت للأوروبيين بفعل عملتهم، وبفعل الرئاسة الفرنسية الدورية للاتحاد، حزمة حلول مالية مشتركة. وما كان ذلك في المتناول -تقول لوموند- لولا ما أبداه رئيس البنك المركزي الأوروبي جان- كلود تريشيه من تصميم وإرادة. حيث وقع إيجاد نوع من المرونة المالية يشبه ما هو متوافر لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وتنتهي لوموند في افتتاحيتها إلى أنه على الفرنسيين أن يتخلوا الآن عن جميع أنواع التردد تجاه البنك المركزي الأوروبي واليورو، خاصة أن هذا الأخير الذي مثلت المساعي لإصداره هدفاً سياسياً كبيراً بالنسبة لهم، طيلة عقدين من الزمن، أثبت الآن أنه كان هدفاً يستحق كل تلك المساعي. في انتظار أوباما: تحت هذا العنوان كتب بيير روسلين افتتاحية في صحيفة لوفيغارو قال في بدايتها إن أميركا لم تشهد في تاريخها حملة انتخابات رئاسية أطول ولا أصعب ولا أكثف تغطية إعلامية من الحملة الحالية، وسبب ذلك أن المرشحين فيها يعتبران بكل المقاييس مرشحين غير عاديين. وقبل موعد الانتخابات بثلاثة أيام يمكن القول إن المرشح "الديمقراطي" باراك أوباما هو المرجح فوزه، إذا اعتمدنا على ما تقوله استطلاعات الرأي، التي سجلت هي الأخرى تزايداً هائلاً في عددها وفي تتابع وتائرها. ويذهب معظم محللي هذه الاستطلاعات إلى أن المرشح الأسود هو من سيدخل في النهاية إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير المقبل. ولو وقع ذلك سيشكل ثورة حقيقية. ولكن حذار، فالأمر لم يحسم بعد طالما أن الأميركيين مازالوا لم يدلوا بأصواتهم بعد. وكثيرون لا ينتبهون إلى تعقيد الانتخابات الأميركية حيث تتم استشارة الناخبين بالتزامن في استحقاقات عديدة، وفي مختلف الولايات. وفي حال النتائج المتقاربة تنفتح الأبواب مشرعة أمام كل أنواع المفاجآت والاحتمالات. والحال أن جمهور الناخبين الأميركي منقسم على نفسه جغرافياً اليوم. فثمة معاقل موالية لـ"الديمقراطيين" في الساحلين الشرقي والغربي، وأخرى موالية لـ"الجمهوريين" في الداخل. ويبقى الجهد الرئيسي من الصراع متركزاً على الولايات المتأرجحة فقط مثل فلوريدا وأوهايو وبنسلفانيا وفرجينيا. وفي معظم هذه الولايات المتأرجحة ما زال أوباما متقدماً على منافسه في الاستطلاعات، ولكن أحياناً بفارق نقاط قليلة فقط. وهذا ما يجعل المفاجآت واردة فيها. كما أن الـ10% من الناخبين الذين لم يحسموا خيارهم بعد يمكن أن يكون لهم تأثير يغير مسار الاستحقاق في آخر لحظة. ولا يستبعد روسلين احتمالاً آخر هو أن يتجه بعض من يصوتون لـ"الديمقراطيين" عادة للتصويت لجون ماكين هذه المرة، بسبب موقفهم من لون أوباما. وهذه "العنصرية الخفية" موجودة فعلاً، حتى لو كان منظمو الاستطلاعات لا يضعونها في حسابهم غالباً، مع أنها احتمال وارد وقد تنجم عنها مفاجآت لا تخطر على بال. ومفهوم أن تداعيات الأزمة المالية تخدم أوباما بشكل واضح، إضافة إلى اتساع قاعدة الناخبين الشباب والسود وذوي الأصول الإسبانية. وفي كل الأحوال فإن هذه الحملة الانتخابية الكبيرة، وغير المسبوقة، يمكن أن تتكشف عن مفاجآت هائلة. لكن ماذا تراها ستكون؟! إعداد: حسن ولد المختار