بضعة أيام فقط تفصل ما بين الناخبين وصناديق الاقتراع في المعركة الرئاسية الفاصلة. وطالما بقيت الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها السالبة على حياة عامة الأميركيين، هي القضية الرئيسية المسيطرة على مسار الحملة الانتخابية الرئاسية، بحكم استمرارية تأثيرها على عقول الناخبين وهمومهم، فإنه من المرجح أن تميل صناديق الاقتراع في الرابع من نوفمبر المقبل، لصالح المرشح الرئاسي الديمقراطي باراك أوباما. لكن ومع ذلك، فما الذي يمكن أن يوقف زحف أوباما وتقدمه نحو الفوز بهذه الانتخابات؟ الإجابة هي أنه علينا أن نضع اعتباراً لعاملين لا يزالا يمثلان خطراً عليه. أولهما: احتمال ارتكابه خطأً سياسياً فادحاً خلال الأيام الختامية الأخيرة لحملته الرئاسية. وثانيهما: احتمال الكشف عن أدلة على سلوكه السابق، والذي لا تزال تثور حوله الشكوك عند البعض. ومن شأن تحقق أي من هذين الاحتمالين أن يحد من تقدمه، ويدفع بعض الناخبين المؤيدين له -خاصة في أوساط المستقلين- إلى إعادة النظر في مدى أهليته للمنصب الرئاسي. ولا يزال هذا الاحتمال قائماً، لاسيما أن لبعض الناخبين هواجسهم وقلقهم من أن تزداد سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس بمجلسيه، إضافة إلى وصول أوباما إلى البيت الأبيض، وبذلك تكتمل لهم السيطرة الكاملة على الجهازين التشريعي والتنفيذي معاً. ويخشي هؤلاء من أن تؤدي هذه السيطرة المطلقة للديمقراطيين، إلى إطلاق يدهم في سن تشريعات من شأنها إحداث تغييرات جذرية تحتكم إلى رؤية الديمقراطيين في كل من السياسات الداخلية والخارجية على حد سواء. غير أن هناك من يرى ضرورة حدوث تغيير كهذا، لاسيما وأن التنافر بين الجمهوريين والديمقراطيين في الجهازين التشريعي والحكومي، حال عملياً دون سن تشريعات وتمرير سياسات مهمة لها صلة مباشرة بحياة المواطنين، مثل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي... وغيرهما. لكن في المقابل، فإن هناك من يبدي قلقاً من استئثار حزب واحد من الحزبين الرئيسيين بسلطات واسعة وشبه مطلقة، على حساب الحزب الآخر. وبالنسبة لهؤلاء، فإن من شأن تحقيق نوع من التوازن ما بين رئاسة جون ماكين، وأغلبية ديمقراطية في الكونجرس، أن يوفر قدراً أكبر من التوازن السياسي والثنائية الحزبية عند سن التشريعات الخلافية المثيرة للجدل بصفة خاصة. ومن بين الاحتمالات التي لا يستبعد حدوثها كذلك: أي هجمة أو ضربة تهدد الأمن القومي الأميركي. وعندها سوف يثار السؤال مجدداً، وفي مقدمة قضايا الحملة الانتخابية، حول مدى أهلية أوباما لتولي منصب القائد الأعلى للجيش. وسوف تكون هذه فرصة خصمه ماكين لإثارة الشكوك حول خبرة أوباما وعدم ملاءمته لتولي المنصب. تجدر الملاحظة أن غالبية استطلاعات الرأي العامة، تشير إلى ثقة الناخبين في خبرة ماكين في هذا الجانب، مقارنة بمنافسه أوباما. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى توارد التقارير والأخبار عن ثلاثة أحداث شرق أوسطية أو تطورات حدثت خلال الأيام القليلة الماضية، أعادت تذكير الناخبين بوجود العالم الخارجي، وبأن بلادهم ليست جزيرة معزولة عن بقية دول العالم. أولها الهجوم الذي شنته طائرات هليكوبتر أميركية على موقع سوري عبر الأجواء العراقية، ضد أهداف قال الجانب الأميركي إن لها صلة بعناصر من تنظيم "القاعدة". غير أن هذا الحدث لم يواجه باهتمام أو صدى داخلي كبير، ربما بسبب هدوء وانخفاض حدة نبرة الاستجابة السورية على الهجوم. كما ساد التفسير هنا في واشنطن بأن لضعف الاستجابة السورية صلة بإدراك دمشق لتدخلها هي نفسها في شؤون جيرانها. وثانيها: انتشار خبر الإنهاك السياسي الذي تعرض له الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. فقد راج هذا الخبر وذاع صداه بين الكثيرين، والذين نظروا إليه على أنه تطور إيجابي باتجاه كسر شوكة "نجاد" والحد من "عنجهيته"، خاصة بفعل التأثيرات السالبة لتراجع أسعار النفط العالمي على اقتصاد بلاده. أما التطور الثالث الأكثر خطراً، رغم عدم ارتباطه المباشر بحملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيتلخص في عجز تسيبي ليفيني، زعيمة حزب "كاديما" الإسرائيلي، عن تشكيل حكومتها، ما أرغمها على الدعوة لإجراء انتخابات عامة مبكرة، حدد لها أن تكون في فبراير من العام المقبل. والنتيجة المباشرة لهذا العجز، هي إحباط أي أمل في إمكانية توصل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، لإبرام أي اتفاق سلام فيما بينهما قبل تسلم الرئيس الأميركي المقبل لمهامه في البيت الأبيض، وتسلم رئيس الوزراء الإسرائيلي لمهامه هو الآخر. يضاف إلى ذلك أن للفلسطينيين تعقيداتهم وعقباتهم الداخلية الخاصة، المتمثلة في صعوبة الاتفاق فيما بينهم على الشخصية التي سوف تخلف محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، مع العلم أن الموعد المقرر لتقاعده من المنصب هو يناير من عام 2009. إلا أن التطور الوحيد القادر على تغيير المشهد السياسي في أميركا، فضلاً عن خدمته لحملة المرشح الجمهوري ماكين على نحو غير متوقع، هو وقوع هجمات جديدة كبيرة داخل الولايات المتحدة الأميركية، يشنها تنظيم "القاعدة" أو أي من الجماعات الإرهابية الأخرى. ففي حال وقوع هجمات كهذه، سرعان ما ستحتل قضايا الأمن القومي الأولوية في المعركة الانتخابية، ويسهل حينها على ماكين إظهار ضعف منافسه أوباما وعدم قدرته على التصدي لمهام الأمن القومي. وفي وسع تأثير هذا العامل أن يكون من القوة والأثر على عدد من الناخبين في الولايات التي تشهد هجوماً كهذا، لاسيما في تلك التي اتسم فيها أداء أوباما بالضعف خلال الانتخابات التمهيدية ضد منافسته هيلاري كلينتون، بدرجة تقلب الكفة لصالح ماكين. ولا مناص من توقع هجمات كهذه خلال الأيام القليلة السابقة لمعركة نوفمبر الفاصلة. ومهما يكن من قوة موقف أوباما في السياسات الداخلية، إلا أن مواقفه في السياسات الخارجية هي التي ستكون محل الفحص والمراقبة في حال فوزه بالمنصب الرئاسي. أو كما قال السناتور جوزيف بايدن، مرشحه لمنصب نائب الرئيس: ستكون الجبهة الخارجية هي محك الاختبار الذي سوف يخضع له أوباما. ويصف المحيطون بأوباما مرشحهم بالاعتدال والصفاء الذهني، إلى جانب اعتزامه إحاطة نفسه بعدد من خبراء السياسة الخارجية. غير أن كيفية تصديه لمهامه الرئاسية القيادية في البيت الأبيض، في لحظة الأزمات الحرجة، تظل "عامل الدقيقة الأخيرة" المؤثرة على مسار الحملة الانتخابية الرئاسية، فيما لو عاد الإرهاب ليحتل موقع الصدارة في الأخبار والصحف الأميركية مجدداً.