جدل لافت وتفاعلات مثيرة للاهتمام، تدور بين وزارة التربية والتعليم وأولياء الأمور على المواقع الإلكترونية، حول قرار الوزارة بشأن دوام يوم غد السبت، تعويضاً لتعطيل الدراسة يوم 28 سبتمبر الماضي، الذي كان مكملاً لإجازة عيد الفطر. بعض أولياء الأمور يصفون القرار بأنه "غريب" و"عجيب". فيما اعتبره فريق ثانٍ "اجتهاداً منافياً لقوانين البلاد". فيما رأى آخرون أن الوزارة "تبرعت" بمنح التلاميذ يوم عطلة إضافياً عقب العيد، فلا حق لها الآن في المطالبة بتعويضه! في البداية، ينبغي الاعتراف بأن المسألة في حالة كهذه لا تتعلق بحصص يوم دراسي مضى وانتهى، وأنه بالإمكان تعويض هذه الحصص عبر حصص الأنشطة، أو حصص احتياطية، أو عبر شغل أي فراغات في الجداول الدراسية اليومية بها، أو حتى إلقاء المسؤولية على كاهل المدرسين والمدرسات وإلزامهم بالانتهاء من المناهج المقررة في التوقيتات الزمنية المقررة من جانب الوزارة، ولكن الأمر يتعلق بقيمة تربوية وهدف نسعى إليه جميعاً، ونحن بصدد تطوير نظامنا التعليمي؛ القيمة هي قيمة الوقت والالتزام وتحمّل المسؤولية، أما الهدف فهو تدريب النشء على إدراك مغزى هذه القيم، والتخلص من عادات وممارسات متجذّرة في سلوكياتنا، ولن تجدي أي محاولات للتطوير ما لم تُرفق بجهود مجتمعية جادة للتخلص من هذه العادات والسلوكيات السلبية، مثل غياب الإحساس بالمسؤولية والتهرب من الدراسة، وعدم إدراك قيمة الوقت وغياب النظام، وغير ذلك من آفات مجتمعية تُعدّ في جوهرها أحد أبرز معوّقات تطوير قطاع التعليم. أكثر ما يلفت الانتباه في الجدل المجتمعي الذي نشب فجأة منذ إعلان قرار الوزارة في وسائل الإعلام أمس الأول، أن معظم ردود أفعال أولياء الأمور تبدو غريبة، وتستحق الدراسة والنقاش، ليس فقط لأنها غاضبة من قرار الوزارة من دون إبداء أسباب وجيهة أو مقنعة أو حتى تتوازى في أهميتها مع مبررات صدور القرار، ولكن لأن ردود الفعل تجاوزت الغضب والحنق لتطول تحدي قرار الوزارة، وإعلان عدم السماح لأبنائهم بالذهاب إلى المدارس في هذا اليوم! لا أحد يعلم كيف يقبل بعض أولياء الأمور أن يزرعوا في نفوس النشء سلوكاً مثل تحدي القانون، ومخالفة النظام، وإيثار النوم والراحة! والأغرب من ذلك أن يشجع بعض التربويين أنفسهم، بحسب ما نقلت بعض التحقيقات الصحفية على لسان بعضهم، أولياء الأمور على مخالفة القرار ويقطعوا مسبقاً بأن هذا اليوم سيشهد نسبة حضور متدنية جداً للطلاب والطالبات، وكأنهم يوجهون دعوة ضمنية إلى أولياء الأمور بعدم السماح لأولادهم بالذهاب إلى المدارس، وإفشال قرار الوزارة كي لا تعيد الكرة ثانية! هناك نقطتان مهمتان في هذا الموضوع: أولاهما أن الجمهور يضغط بشدة للحصول على عطلات إضافية للطلاب، بسبب ومن دون سبب، بدليل أن مطالبة الوزارة بإعادة جدولة دوام شهر ديسمبر، وتحديداً الفترة بين عطلتي "الوطني" و"الأضحى" المقبلين، بدأت مباشرة عقب العودة من عطلة عيد الفطر الماضي! كما ينبغي الاعتراف بأن قرار عطلة يوم 28 سبتمبر كان مطلباً للميدان نفسه، وبالتالي يصبح من حق الوزارة تعويض هذا اليوم بالطريقة التي تراها مناسبة، ولكن بعد مناقشة الميدان التربوي، والبحث في الطريقة الأجدى للتعويض، سواء عبر دوام يوم بديل، أو زيادة الحصص لفترة زمنية معينة، كي لا يحدث مثل هذا الجدل العقيم. النقطة الثانية أن إعلان قرار الوزارة بدوام يوم غد قد تأخر نسبياً، وكان يفترض صدوره قبل أسبوع على الأقل، لتفادي حجة إفساد الترتيبات الأسرية، وما إلى ذلك من حجج وذرائع يرفعها الكثيرون لتبرير غضب غير مبرر، وأيضاً لضمان أقصى فرص لنجاح دوام هذا اليوم، وتأدية الغرض المطلوب من ورائه فعلياً وليس شكلياً.