دول الخليج دول أبوية ترعى المواطن من صرخة الميلاد إلى شهقة الرحيل، وإذا وُجد أي تقصير في تلك الرعاية، فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. والمؤسسة الدينية الخليجية الرسمية، تقوم بواجبها فيما يخطر وما لا يخطر على البال من شؤون الدين والدنيا. لذلك، يفترض في الشعوب الخليجية المتدينة والمحافظة، أن تنتبه جيداً لألاعيب الجماعات السياسية التي ترتدي الملابس الدينية، والتي ابتليت بها أكثر المجتمعات العربية. فحتى لو كان ظهور تلك الجماعات في بعض المجتمعات العربية غير الخليجية مبرّراً، وكان بقاؤها على قيد الحياة نتيجة نجاحها في تقديم بعض الخدمات للشرائح الفقيرة بعد أن عجزت أو قصّرت الدولة عن القيام بدورها تجاههم، فإن الوضع في الخليج مختلف تماماً، وليس هناك دور يمكن أن تقوم به تلك الجماعات، لم تؤده الدول الخليجية أو مؤسساتها الدينية الرسمية. فإذا كانت ستدعو إلى الله وترعى كتابه وسنة نبيه وتعنى باللغة العربية، فإن هناك دوراً لرعاية المسلمين الجدد، ومراكز لتحفيظ القرآن تملأ المدن الخليجية، وأكثر من مدينة تقيم سنوياً جوائز في حفظه وتلاوته. والمدارس والكليات الدينية تعمل علناً، وهناك جمعيات لحماية اللغة العربية. إذا كانت ستلقي محاضرات تحث على التمسك بأهداب الإسلام وتبث الوعي الديني، فإن المساجد تقوم بهذا الدور أسبوعياً عبر خطب الجمعة، والكثير من الفعاليات تستقدم محاضرين وشيوخ دين ليدلوا بدلوهم، وهناك عشرات الإذاعات والقنوات التلفزيونية المخصصة للدين وشؤونه. وإذا كانت ستسعى إلى غرس قيم الإسلام في الناشئة، فإن المناهج المدرسية تقوم بهذا الدور على أكمل وجه، وبشكل مبالغ فيه أيضاً. إذا كانت تلك الجماعات ستتصدى للإفتاء وتقديم المشورة أو "المناصحة"، فإن الإفتاء الحكومي يقوم بهذا، وهناك عدد من المفتين لا تفوتهم شاردة ولا واردة إلا ويفتون فيها في الليل والنهار، وينصحون ويقدمون المشورة حتى إذا لم يُسألوا، ناهيكم عن الافتاء عبر الحدود والفضائيات ومواقع رجال الدين على الإنترنت، حتى عرفنا خطورة مشاهدة رسوم "البوكيمون"، وحرمة قول "سخرية الأقدار"، وحكم قتل الفأر في الحل والحرم. وإذا كانت ستبحث عن حلول لمشكلات المجتمع، فهناك مؤسسات مختلفة تتصدى لتلك المشكلات وتعالجها، فهناك مثلاً صندوق للزواج، وبرامج للزواج الجماعي، بل إن حالات الطلاق لا تقع قانوناً إلا بعد المرور بأقسام التوجيه الأسري في المحاكم. وهناك مؤسسات لرعاية شؤون القصّر والأوقاف، ومؤسسات للزكاة، ورحلات حج وعمرة ترعاها جهات حكومية وشخصيات عامة. إذا كانت ستملأ وقت فراغ الشباب بما هو مفيد ونافع، وتحصّنهم ضد الانحراف، وتصقل مواهبهم، فأندية الكرة كالهمّ على القلب، وليست هناك رياضة إلا ولها ناد أو مركز، كالفروسية والصيد والرماية والغوص والكاراتيه، ومراكز رعاية المواهب متوافرة، ودورات الخط والرسم وغيرهما تقام هنا وهناك. إذا كانت ستقدم الدعم للمحتاجين، فإن وزارات الشؤون الاجتماعية في الدول الخليجية تتكفل بهؤلاء، وهناك الكثير من جمعيات الخير والإغاثة والهلال الأحمر. ومساعدات الدول الخليجية للمسلمين المنكوبين حول العالم لا تعد ولا تحصى. إذا كانت تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الناس، فأبواب المحاكم مفتوحة، ولم يُعرف عن القضاء الخليجي أكل حقوق الناس بالباطل، وجمعيات حقوق الإنسان تعمل بحرية، بل وتتدخل منظمات حقوق الإنسان الخارجية و"تتفلسف" في هذه الأمور. لا يتبقى لتلك الجماعات شيء غير الهمّ السياسي الذي تنفخ عليه بالكير الديني ليكبر ويتورّم في أعين البسطاء؟ وللحديث صلة.