دلالات صعود أوباما... ونفاق في قضايا الهجرة ما هو المثلب الأوروبي الذي يكشفه صعود أوباما؟ وما هو المسكوت عنه في بريطانيا؟ وهل من جديد في فكرة الفيدرالية الأوروبية؟ وكيف أثرت الأزمة المالية على سياسات الهجرة في بريطانيا؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن إطلالة أسبوعية سريعة على الصحافة البريطانية. أوباما والمفارقة الأوروبية: في عددها الأخير الصادر يوم الأحد الماضي، نشرت صحيفة "ذي أوبزرفور"مقالاً تحليلياً للكاتب والمحلل السياسي "كيث رتشبرج" -وهو أميركي أسود- طاف كلاً من أوروبا وآسيا وأفريقيا حيث عمل لعدة عقود في تغطية وتحليل كبرى الأحداث التي شهدتها هذه القارات الثلاث. وكان والده قد عاش في الزمن الأميركي الذي سادته قوانين "جيم كراو" التي تحرم السود حق التصويت في الانتخابات. ومع ذلك لم يفقد أي منهما إيمانه بأنه سوف يأتي اليوم الذي يحدث فيه التغيير. في هذا المقال يعقد الكاتب مقارنة بين النظم السياسية السائدة في كل من أميركا وأوروبا، مرجحاً عدم استعداد أي من الدول الأوروبية لأن تصعد إلى قمة هرمها السياسي شخصية سوداء مثل أوباما. ففي فرنسا مثلاً، حيث التعددية العرقية الثقافية، وحيث يتعايش الآسيويون والأتراك والأفارقة وغيرهم جنباً إلى جنب المواطنين الفرنسيين، لا يوجد بين أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية البالغ عددهم 577 عضواً، سوى عدد قليل جداً من الوجوه الأفريقية السوداء التي تمثل المستعمرات الفرنسية السابقة! أما في ألمانيا فهناك نحو 3 ملايين مسلم، معظمهم من الأتراك، إلا أن تمثيلهم البرلماني يقتصر على اثنين فحسب. وربما يختلف الحال نسبياً في كل من هولندا والسويد، حيث يوجد عدد أكبر نسبياً من الأعضاء البرلمانيين في كلتا الدولتين، ممن تعود أصولهم إلى دول مثل مصر والكونجو وإريتريا. وينطبق هذا الواقع حتى على بريطانيا نفسها، التي تعد أفضل حالاً بكثير من بقية الدول الأوروبية، في تمثيل الأقليات والجاليات المهاجرة في برلمانها منذ عام 1978. وحسب رأي قادة مجموعة Operation Black Vote فإنه لن يكون هناك تمثيل حقيقي للأقليات العرقية في النظام البرلماني البريطاني، إلا بعد وصول ما يتراوح بين 50-60 من ممثلي الأقليات العرقية إلى البرلمان، وعندها تصل نسبة تمثيل هذه الفئات إلى حوالي 10 في المئة فحسب من مجموع الأعضاء. وعليه يستنتج الكاتب أن النظام السياسي الأوروبي عموماً يقف عائقاً حقيقياً أمام نهوض شخصية قيادية سوداء إلى قمة هرمه مثلما هو الحال في أميركا. وبذلك تشق هذه الأخيرة طريق القيادة مجدداً أمام أوروبا. المسكوت عنه في بريطانيا: عن الموضوع نفسه كتبت "ياسمين علي بهائي-براون" مقالاً تحليلياً نشرته صحيفة "ذي إندبندنت" في عددها الصادر يوم الاثنين الموافق 27 أكتوبر الجاري، قالت فيه إن رسائل التهديد والتخويف تكاد لا تنقطع يوماً واحداً عن بريدها الإلكتروني، بسبب تناولها المستمر لقضايا التمييز العنصري في بريطانيا ضد الأقليات والمهاجرين. وبالقدر نفسه لا يكف بريدها عن تلقي رسائل الشكاوى الصادرة إليها من البريطانيين السود والآسيويين، المغلوبين على أمرهم جراء التمييز اليومي الممارس ضدهم. تناول المقال أسباب هذه الظاهرة وتجلياتها في الحياة اليومية البريطانية، مع تحليل مدى تأثيرها على الوعي السياسي والانتخابي هناك. وقد نشر المقال تحت عنوان "هل في وسع بريطانيا انتخاب شخصية مثل أوباما؟". تقول الكاتبة إن الفارق الجوهري بين أميركا وبريطانيا أن الأخيرة لا تشجع مطلقاً مناقشة العنصرية والتمييز العنصري، باعتبارها جزءاً من حقائق الحياة فيها. لكنها وبقدر ما تلقي باللائمة على السياسات الرسمية في تعميق هذه النزعة العنصرية وعدم التصدي لها، وتوجه اللوم كذلك إلى الجاليات البريطانية من أصول كاريبية أفريقية، وعربية وهندية وصينية وآسيوية عموماً، بسبب فرقتها وتشتتها وعدم وجود أدنى تنسيق فيما بينها. بريطانيا والفيدرالية الأوروبية: هذا ما تناوله الكاتب "نورمان تيبيت" في مقاله التحليلي المنشور بصحيفة "الديلي تلجراف" الصادرة أول أمس، نافياً فيه أن تكون بريطانيا جزءاً من اتحاد فيدرالي أوروبي يدفع باتجاهه عدد من القادة الأوروبيين اليوم. جاء المقال تعليقاً على المؤتمر المشترك الذي نظمته كل من منظمة Global Vision وصحيفة "ديلي تلجراف" الشهر الماضي، وخاطبه الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان. ومن رأي الكاتب أن الأزمة المالية الأخيرة، التي عصفت بمنطقة "اليورو" وأرغمت عدداً من دولها على مغادرة النظام المالي للمنطقة وتبني سياسات مالية خاصة لحماية اقتصاداتها، مثلما هو حال ألمانيا وآيسلاندا، إنما هو دليل واضح على فشل فكرة الاتحاد الفيدرالي الأوروبي. وخلص الكاتب إلى أنه لن يكون في مقدور عملة يتولى إدارتها 15 وزيراً للمالية أن تصمد أمام مثل هذه العواصف. ومن ناحية عملية فإنه يصعب توحيد الفيدرالية الأوروبية حول خزانة واحدة، ووزير مالية واحد، ونظام ضريبي واحد أيضاً. ومهما تكن النوايا والرغبات، فما أصعب توحيد دول متباينة أشد التباين فيما بينها مثل فنلندا والبرتغال، وأيرلندا ورومانيا، وإسبانيا وبلجيكا وبولندا، تحت نظام حكم واحد ومظلة مالية واحدة. وقال الكاتب إن من الأرجح أن يتوصل "جيسكار ديستان" نفسه إلى أن من الأفيد للاتحاد الأوروبي أن ينفض زمامه، وأن تضحي 6- 10 من دوله -خاصة دول أوروبا الغربية- بهويتها الوطنية لمصلحة اتحاد أوروبي مصغر وأكثر تجانساً، يحقق لها مصالح شبيهة بتلك المصالح التي تحققها المملكة المتحدة لأعضائها الأربعة: إنجلترا واسكتلندة وأليستر وويلز. النفاق البريطاني حول الهجرة: تناولت الكاتبة "ديبورا أور"، في مقالها المنشور بصحيفة "ذي إندبندنت" الصادرة يوم أمس، ما رأت فيه تناقضاً في سياسات الهجرة البريطانية بين الأمس واليوم، خاصة فيما يتعلق بتنظيم وتشريعات هجرة العمالة إلى بريطانيا. ففي بريطانيا ما بعد المجتمع الصناعي، سادت الدعوة إلى تبني سياسات "الباب المفتوح" بهدف جلب العمالة الأجنبية الماهرة والقادرة على تلبية تزايد الطلب على العمالة بما يلبي حاجات التوسع الاقتصادي الذي شهدته بريطانيا منذ بدايات القرن الماضي. أما اليوم -وبخاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية وانهيار الائتمانات- فقد بدأت تتجه أبواب هذه السياسة نحو التضييق والانغلاق، خاصة في وجه العمالة الوافدة من شرق أوروبا. ولكن يأخذ المقال بتحذير بعض الخبراء المتابعين لأوضاع العمالة البريطانية، من أن انحسار العمالة الوافدة في السوق البريطانية، ربما يلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني، أشد وطأة مما ألحقته به الأزمة المالية الأخيرة. إعداد: عبدالجبار عبدالله