من يتابع وسائل الإعلام الغربية، وليست المحلية، يدرك تماماً، من واقع تحليلات الخبراء وما تورده كبريات الصحف الاقتصادية المتخصصة من إحصاءات وآراء، أن الاقتصاد الإماراتي قوي، وتأثير الأزمة المالية العالمية في أدائه محدود وتحت السيطرة، ولكن بعض مواقع الصحافة الإلكترونية تحاول الإيحاء لقرائها بعكس ذلك! ولا أحد يدري من أين تأتي هذه المواقع بالرأي القائل إن وضع الاقتصاد الإماراتي "ليس على ما يرام"، وإن هناك تحليلات متشائمة تتعمد وسائل الإعلام المحلية "تغييبها"! لا أحد يريد إعلاماً دعائياً موجهاً، ولا أحد أيضاً يريد صحافة الرأي الواحد والاتجاه الأوحد؛ وفي المقابل فإن حرية الصحافة الحقيقية تعني ضرورة توخي الموضوعية والحيادية والصدقية في الطرح والرأي والتحليل. لكن ما يحدث وما نراه أحياناً أن الموضوعية والدقة غائبتان تماماً في بعض الممارسات، مثل ادعاءات بعض الأقلام التي تروّج لوجود ما تزعم أنها "حملة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام المحلي"، لتحسين صورة الأداء الاقتصادي، عبر الاكتفاء بتقديم التحليلات التي تصب في خانة تأكيد الموقف القائل إن الوضع الاقتصادي والمالي للإمارات جيد، وإن الأمور تسير على ما يرام، وإن هذه الحملة تتعمد إخفاء الآراء القائلة إن الوضع الاقتصادي ليس كذلك، في محاولة لعدم بثّ الرعب في قلوب المودعين والمستثمرين بحسب زعم هذه الأقلام! إن وجهات النظر القائلة إن هناك ما يخفيه الإعلام المحلي أو المسؤولون الاقتصاديون لا تصمد في مواجهة أي تفنيد، فلا أحد يتحدث عن عدم تأثر الاقتصاد الوطني بالأزمة المالية العالمية مطلقاً، وأي حديث من هذا النوع ربما يبدو خارج سياق أي تحليل منهجي للأحداث وتداعياتها، وما ينشره الإعلام المحلي من تصريحات للمسؤولين لا يخرج عن سياق ما يحدث بالفعل على أرض الواقع، وبالأمس فقط تحدث سلطان بن ناصر السويدي، محافظ "المصرف المركزي"، للصحافة المحلية والأجنبية وردّ على ما يثار بشأن الوضع الاقتصادي بشفافية، وتضمنت تصريحاته أول تأكيد رسمي أن هناك إمكانية لحدوث تصحيح سعري في قطاع العقارات، كما تضمنت أيضاً تأكيداً بأن وضع المصارف الوطنية آمن، وأنها احتاطت لأي تطور محتمل، فلماذا يصدق البعض هذه، ويرفض الاقتناع بتلك؟ هناك من يرى في توحيد المرجعيات ومصادر الأخبار، نية مبيّتة للتعتيم أو إخفاء أنباء سيئة، وهذه رؤية مبتسرة للحقائق، فالكل يدرك أن العالم يحبس أنفاسه والإعلام يلهث وراء الأخبار وتصريحات المسؤولين الاقتصاديين، وقليلاً ما يجدها في مثل هذه الظروف الاقتصادية العالمية الحرجة، وهناك ترقّب وحذر واضحان من جانب المسؤولين الماليين في العالم أجمع، سواء في تقدير حجم الخسائر الحالية، أو في التكهن بما هو آتٍ، بل لا نبالغ إذا قلنا إن هناك تصريحات رسمية عديدة تصدر في الغرب بهدف بث الطمأنينة، وتأكيد أن الأسوأ قد مرّ، وأن الأسواق قد تجاوزت قمة جبل الجليد في الأزمة. أما الحديث عن محاولة إخفاء خسائر أسواق المال المحلية، فلا أصل له من الأساس، فمانشيتات الصحف المحلية كثيراً ما تصدرتها في الأيام الماضية أخبار تتعلق بحجم الخسائر التي تكبدتها البورصات المحلية، ومؤشرات الهبوط الحمراء ظاهرة للعيان، ومن السذاجة الإعلامية والتبسيط المخل مهنياً محاولة إخفائها أو تجاهلها. ربما يكون الإعلام المحلي قد تأخر نسبياً في تناول أو مناقشة مدى تأثير الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد الوطني، لكن هذا التأخير عائد إلى أسباب لا علاقة لها مطلقاً بمحاولة التعتيم على خسائر تهدد الاقتصاد الوطني، كما يزعم البعض، بل إن بعض الأقلام المهنية مارست نقداً ذاتياً، وأشارت إلى سلبيات هذا التأخر الذي كانت إحدى سلبياته إفساح المجال للقيل والقال، وانتشار الشائعات والرسائل النصية، وغير ذلك من أجواء تشكيك دحضتها بشكل قاطع تصريحات صدرت على لسان قمة الهرم السياسي في البلاد. ________________________ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.