في إطار تلهفها لكبح التمرد المتصاعد في أفغانستان، شرعت الولايات المتحدة في مسار سياسي يمكن أن يدمر شراكتها الاستراتيجية الحيوية مع باكستان. يتمثل هذا المسار في السماح للقوات الأميركية المقاتلة بالعمل بحرية، وشن غارات داخل الأراضي الباكستانية، من أجل الضغط على القادة الباكستانيين لتصعيد حربهم ضد المليشيات العاملة في المناطق الحدودية. بيد أن تلك السياسة تهدد علاقات التعاون القائمة بين الدولتين بدرجة يمكن أن تؤدي إلى قطعها. يرجع ذلك لحقيقة أن التمرد الباكستاني، الذي ترنح في البداية أمام عنف الرد الأميركي على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، نجح فيما بعد في إعادة بناء منظماته بالمناطق الحدودية، كما نجح في بناء ملاذات يشن منها هجمات ضد قوات الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها في أفغانستان. وعلى الرغم من أن القوات الباكستانية المنخرطة في القتال ضد التمرد، يتراوح عددها ما بين 80 ألفاً إلى 120 ألف جندي، وتُموّل من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تنفق عليها ما يقارب المليار دولار سنوياً، فإن العمليات التي تشنها تلك القوات ضد المتمردين لم تكن متسقة أو كاملة، وهو ما يرجع لكونها في الحقيقة قوات سيئة التدريب والتجهيز، وتفتقر إلى الدافع. وبعد أن نجحت "طالبان" أفغانستان، و"القاعدة" في إعادة تجميع قواتهما، بدأت واشنطن تتساءل حول مدى جدية الجهود الباكستانية. بل إن هناك مسؤولين أميركيين يشعرون بالقلق جراء تعاطف عناصر في الأجهزة الأمنية الباكستانية مع المتمردين، واهتمامها بحمايتهم أكثر من حرصها على ملاحقتهم، ويرغبون- المسؤولون- بالتالي في التعامل مباشرة مع هذا التهديد إذا لم تكن باكستان راغبة عن التعامل معه أو غير قادرة على ذلك. وهناك العديد من المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة إذا ما واصلت هذه السياسة. فغارات القوات الخاصة، والهجمات الصاروخية بواسطة الطائرات من دون طيار ليست قادرة، وحدها، على استئصال وجود آلاف المتمردين وحلفائهم على امتداد خط الحدود مع أفغانستان. في الوقت نفسه ليس هناك في أميركا من يحبذ نشر عشرات الألوف من الجنود الأميركيين في مناطق القبائل لتحقيق انتصارات، والمحافظة عليها، علاوة على أن مواجهة قبائل موحدة على أرضها سوف يؤدي إلى خسائر هائلة في صفوف المدنيين. وحتى إذا ما اتبعت الولايات المتحدة طرقاً أخرى أكثر ميلاً للعمل السري من خلال تأليب القبائل المتطرفة على بعضها بعضاً، فإن مثل تلك الطرق قد لا تنجح هي الأخرى بسبب العداء التي تكنه تلك القبائل للولايات المتحدة. هل هناك وسائل أخرى متبقية؟ ما يمكن قوله في هذا السياق إنه لا توجد هناك حلول سريعة، وأن التعاون مع العسكر الباكستانيين وأجهزتهم الاستخباراتية والحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطياً في إسلام أباد، سيظل أمراً لا غنى عنه في جميع الأحوال. وفي حين أن الولايات المتحدة شعرت بالراحة بسبب الآراء المناهضة للإرهاب التي عبر عنها الرئيس الباكستاني، إلا أن إقدامها على اتخاذ زرداري رجلًا لها في باكستان، بديلاً عن الجنرال برويز مشرف، لن يساعد على بناء إجماع شعبي ضد التطرف. ويشار في هذا الصدد إلى أن البرلمان الباكستاني صوّت الأسبوع الماضي بالإجماع على إدانة الهجمات الصاروخية الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة على الأراضي الباكستانية. وإذا ما حاول زرداري تخفيف الانتقادات الموجهة إلى الولايات المتحدة في هذا الوقت، فإنه سوف يعرض ائتلافه الحاكم للخطر، بل وقد ينتهي الأمر بسقوطه ليحل محله المرشح الأقرب احتمالًا للفوز في تلك الحالة، وهو "نواز شريف"، الذي يتبنى آراء مناوئة للتورط الأميركي في مناطق الحدود الباكستانية وأفغانستان. والاقتراحات الرامية لمساعدة الولايات المتحدة على استرداد ثقة الباكستانيين هي قيد النظر في الوقت الراهن. معظم تلك الاقتراحات، ومنها على سبيل المثال ماهو معروف بمشروع قانون (بايدن ـ لوجار) تعترف بأهمية المساعدات غير العسكرية التي تقدم لباكستان لمساعدتها على التخلص من مشكلاتها الاجتماعية المتوطنة، والقصور الكبير الذي تعاني منه في بنيتها التحتية. وليس هناك شك في أن الإجراءات الرامية لمساعدة باكستان على مواجهة أزمتها الاقتصادية، واتباع سياسة تجارية أكثر ملاءمة معها، وخصوصاً فيما يتعلق بإنتاجها من المنسوجات، يمكن أن تجعل الولايات المتحدة أكثر إقناعاً للشعب الباكستاني خصوصاً إذا ظلت على التزامها بالحكم المدني والديمقراطية. أما انتهاك الأراضي الحدودية الباكستانية من قبل القوات الأميركية البرية والجوية، فلن يؤدي سوى إلى ازدياد الأمور سوءاً. فالغارات الأميركية عبر الحدود تثير احتمال حدوث مواجهة مباشرة مسلحة بين القوات الأميركية وقوات الجيش الباكستاني وهو ما يمكن أن يؤجج المشاعر المعادية لأميركا في صفوف النخبة العسكرية الباكستانية التي تشعر بالاستياء من استمرار الاصطفاف الباكستاني مع الولايات المتحدة. ويمكن أن نستشهد في معرض التدليل على صحة هذا الرأي بالتصريح، الذي أدلى به قائد الجيش الباكستاني الجنرال "اشفاق كياني"، الذي قال فيه "إن باكستان سوف تدافع عن سيادتها مهما كانت التضحيات". إن الملاذات الإرهابية في المناطق الحدودية الباكستانية ليست بالشيء المقبول، ولكن إزالتها يتطلب تعاوناً مع الجيش الباكستاني في المقام الأول. وتفجير فندق الماريوت في إسلام أباد الشهر الماضي، كان تذكرة للولايات المتحدة بأنها تحارب وجوها مختلفة في حرب واحدة، وأن استمرارها في شن غارات غير حاسمة، لم يطلبها أحد، عبر الحدود، سوف يجعل من عملية البحث عن التعاون مع باكستان عملية أكثر مراوغة. مارفين جيه واينباوم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سابق لشؤون الاستخبارات والأبحاث المتعلقة بباكستان وأفغانستان في وزارة الخارجية الأميركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"