المتابع لما يحدث في المشهد السياسي الإقليمي، خلال الفترة الأخيرة، فيما يخص إدارة الصراع الغربي مع إيران، يتبين له أن الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان التعامل مع الملف النووي الإيراني بطريقة تسمح لهما بالتعايش مع إيران نووية بدلاً من التفكير في تدمير برامجها بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. هذه الملاحظة بدأت تقترب لأن تكون حقيقة يتعين علينا نحن في دول مجلس التعاون الخليجي الاعتراف بها والتعامل معها قبل أن نصدم من وقع المفاجآت إن حصل ذلك الأمر فعلياً؛ فالإيرانيون بدؤوا يصرحون ويتصرفون بثقة توحي بأنهم متأكدون أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن توجها لهما أي ضربة عسكرية بعد اليوم ولم تعودا تسعيان لعزلها سياسياً، حتى العزل الاقتصادي بدأ يتراجع، بل إن هناك رغبة من الطرف الإيراني من جانب والطرف الأميركي الإسرائيلي من جانب آخر لأن ينفتحا على بعضهما، بل وصلت تصريحات المسؤولين الإيرانيين لتؤكد بأنهم على ثقة أكيدة بأن الولايات لن تقدم على مهاجمتهم عسكرياً لأسباب كثيرة بعضها لها علاقة بسياسة بوش الدولية وبعضها له علاقة بسباق الرئاسة من خلال تصريحات 'أوباما بالتحاور مع إيران، وكذلك هناك تصريحات لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بإمكانية التعايش مع إيران النووية بعد أن كثر الجدل في الداخل الإسرائيلي حول إمكانية التعايش مع إيران النووية. إيران راحت تتصرف وكأن الأوراق الاستراتيجية التي كانت بيد الولايات المتحدة انقلبت وأصبحت بيدها وبالتالي لم تعد كفيلة بأن تردعها بل إن إيران هي التي روضت السياسة الأميركية والإسرائيلية ضدها وساعدتها على ذلك الأزمة المالية العالمية وغيرها من الأسباب الإقليمية التي ألحقت أضراراً كثيرة بسياسة الرئيس بوش. استطاعت إيران تحويل الأوراق الاستراتيجية التي في يدها (العراق، حزب الله، حماس) لتمثل ردعاً للنوايا الأميركية والإسرائيلية وبالتالي حولت الضغوط التي عليها ليصبح الموقف الآن لصالح إيران أكثر من أن يكون ضدها وأصبحت إيران هذه الأيام تعيش ثقة بالنفس إلى حد يصفها البعض بأنها ثقة مبالغ فيها لسببين: الأول موضوعي؛ وهو التطورات الحاصلة على الساحة العالمية وفي الداخل الأميركي، والثاني نفسي؛ له علاقة بالتشفي الإيراني من خلال التراجع الأميركي في كل شيء في السياسة وفي الاقتصاد حتى في حربها ضد الإرهاب فهي الآن قابلة لأن يتم التفاوض مع "طالبان" وإن كانت بطرف ثالث. بقي الآن في الجانب الآخر من العلاقة الأميركية الإيرانية، وهو طرف دول الخليج بأن يكون لها موقفها الواضح في سياسة الشد والجذب بين الطرفين، إذا اعتبرنا أن الخاسر من التقارب أو التباعد بينهما في ظل المعطيات الحالية هي دول الخليج التي يفترض أن تكون لها سياستها المستقلة عما بينهما فإيران لم تستفد فقط من أخطاء سياسات الرئيس بوش في الإقليم، بل ومن اختلافات العواصم الخليجية عموماً في التعامل مع طهران، والتي تركت الفرقة بينها مجالاً لإيران كي تحصل على كثير من المساحات السياسية في المنطقة. أياً كان السبب فإن أكثر ما ينبغي أن يثير الانتباه في هذا الصدد هو أن الملف النووي الإيراني بدأ في التراجع من صدارة اهتمامات القوى الدولية الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة، التي انتقلت من دائرة التعاطي الفاعل مع الصراع إلى خانة الاكتفاء بإدارته مثلما يحدث في الملف الفلسطيني. والسؤال الآن: هل تدرك دول مجلس التعاون أبعاد ما يحدث من حولها وخطورة تداعياته على أمنها في حال استمرت بمعزل عن إدارة التطورات وعدم المشاركة فيها بدور يتناسب مع حجم تأثرها بأي تداعيات في هذا الملف الحيوي. إيران هي المستفيد الأكبر مما يحدث على المستوى الإقليمي، كما أنها كانت الرابح الأكبر في سقوط "طالبان" ونظام صدام، وهي الآن بصدد تحقيق مكاسب أكبر، ما لم تتحرك الدول العربية الخليجية على الأقل لتقدم موقفاً خاصاً بها في التعامل مع إيران فيما يخص القضايا محل الخلاف. Classifications