أزمات سياسية متلاحقة... ودعوة للتركيز على الخطر الإيراني انشغلت الصحافة الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي بعناوين رئيسية مثل انتخابات الكنيست المبكرة وفشل ليفني في تشكيل الحكومة والتهديدات الإيرانية، فضلا عن إفلاس الحياة السياسية وترهل الأحزاب الأساسية. "حملة سريعة ومقتضبة": دعت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها ليوم أمس الثلاثاء إلى التسريع لتحديد موعد لعقد انتخابات الكنيست بعدما فشلت وزيرة الخارجية تسيفني ليفني المكلفة بتشكيل الحكومة في مهمتها وتعثرت مفاوضاتها بهذا الشأن مع القوى السياسية. وترى الصحيفة أن البلاد مرت بما يكفي من الأزمات السياسية التي وصلت الذروة باستقالة رئيس الوزراء إيهود أولمرت وتورطه في قضايا فساد مازال ملاحقاً على ذمتها، فضلًا عن إخفاق ليفني في تشكيل حكومة بديلة. هذه الأزمات، تقول الصحيفة، تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً بصرفها عن القضايا المهمة التي تنتظر الحل، والترويج لسياسات شعبوية تسعى إلى فرض مخصصات مالية مبالغ فيها، والأهم من ذلك تقويض ثقة الرأي العام في النظام السياسي الذي وصل في كل الأحوال إلى أدنى مستويات الشعبية وليس في حاجة إلى المزيد من الانحدار. وتنتقد الصحيفة أيضا العرف الجاري في إسرائيل بإعطاء مهلة تصل إلى تسعين يوماً قبل عقد الانتخابات، مشيرة إلى أن بلداناً أخرى مثل كندا لا تتعدى فترة الحملة الانتخابية فيها ستة أسابيع. ولا تنسى الصحيفة تذكير السياسيين بالتحديات الجسيمة مثل الأزمة المالية وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي، والبرنامج النووي الإيراني، فضلًا على التهديدات الأمنية التي يطرحها "حزب الله" و"حماس" وعملية السلام مع سوريا. ولأن حكومة أولمرت في أيامها الأخيرة وشرعيتها ضعيفة، فإنه لا بد من التعجيل بعقد الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة تتولى تدبير الملفات المطروحة وتعيد بعض الاعتبار للسياسة في إسرائيل بعدما هزتها الفضائح والإخفاقات. "انتخابات باهظة": بهذا العنوان استهلت صحيفة "جيروزاليم بوست" افتتاحيتها ليوم الإثنين الماضي متطرقة إلى التكلفة العالية للانتخابات الإسرائيلية سواء من الناحية الاقتصادية، أو السياسية وآثارها البعيدة على الوضع الداخلي للبلاد. فقد لاحظت الصحيفة أنه منذ عام 1992 انتخبت إسرائيل مجلسا تشريعيا جديدا كل أربع سنوات تقريباً، ومر عليها سبعة رؤساء للحكومة، وهو ما أثر سلباً على التطور السياسي في إسرائيل وإمكانية تطبيق سياسات اقتصادية منسجمة ومتماسكة. فمع قرب حل الكنيست الحالي ستبقى بعض التشريعات المهمة معطلة مثل تلك التي تخص المواصلات والبنية التحتية والإصلاح الضريبي والمعونات الاجتماعية والبلديات وغيرها من القوانين التي تنتظر المصادقة. أما على الصعيد السياسي، فستعطل الانتخابات المبكرة تمرير موازنة 2009، ما يعني أيضاً أن الحكومة المقبلة ستكون مقيدة بالأولويات المالية لإيهود أولمرت، لذا ستكون المهمة الأولى أمام رئيس الوزارء الجديد المصاقة على موازنته الخاصة في الكنيست وضمان تأييد غالبية أعضائه. لكن يبدو أن التكاليف لا تقتصر على هذا الحد، بل تمتد إلى الجانب المالي، حيث تشير الصحيفة إلى ملياري شيكل إسرائيلي كتكلفة إجمالية للانتخابات، ناهيك عن المبالغ الكبيرة التي يتعين على الأحزاب السياسية جمعها لتمويل الحملة الانتخابية، علماً أنها أحزاب مدينة أصلاً وفي حاجة إلى سداد مستحقاتها. وللخروج من حلقة الانتخابات المتكررة في إسرائيل وتكاليفها المرتفعة تقترح الصحيفة إقرار إصلاح شامل للنظام الانتخابي في إسرائيل بنقله من النظام النسبي الذي يشتت الحياة السياسية إلى النظام المباشر الذي يتيح للحزب الفائز تشكيل الحكومة دونما الحاجة إلى التكتلات الصغيرة. الاختيار بين موسكو وطهران: كتب "أمون روبنشتاين" أستاذ القانون بمعهد هرتزيليا ووزير التعليم السابق مقالا في صحيفة "جيروزاليم بوست" يدعو فيه صراحة الولايات المتحدة ورئيسها القادم إلى التركيز على الخطر الإيراني باعتباره التهديد الحقيقي الذي يواجه ليس فقط منطقة الشرق الأوسط على أهميتها الاستراتيجية، بل يهدد الغرب أيضاً. وإذا كان لا بد من الاختيار بين روسيا الصاعدة على الساحة الدولية واستعراضها الواضح لعضلاتها كما ظهر في أزمة جورجيا، وبين إيران ينصح الكاتب بكسب روسيا وترضيتها للالتفات إلى ما يعتبره خطر إيران الحقيقي. ومع أن روسيا هي الأخرى تحدت الغرب وأبدت تصلباً في مواقفها بسبب عوائدها النفطية الهائلة وتلويحها بعصا الطاقة لإيخافة جيرانها وبعض دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا، يعتقد الكاتب أنها في النهاية لا تسعى إلى التوسع على حساب جيرانها وبأن تحركها الأخير كان احتجاجاً على اقتراب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من حدودها. لذا تبقى روسيا، على حد تعبير الكاتب، أهون الشرين مقارنة مع إيران ذات التاريخ التوسعي المعروف، كما يقول، والتي إذا نجحت في امتلاك السلاح النووي فإنها ستدفع الدول الشرق أوسطية الأخرى إلى حيازة السلاح ذاته، بالإضافة إلى تحريضها المسلمين في الجمهوريات الآ سيوية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي. "إفلاس المؤسسة السياسية": ينتقد الكاتب والصحفي الإسرائيلي "إيتان هابير" في مقاله االمنشور بـ"يديعوت أحرنوت" يوم الإثنين الماضي الوضع السياسي داخل إسرائيل معتبراً أنه وصل حد الإفلاس، ولم يعد قادراً على تقديم أي جديد. ويبدأ الكاتب بطرح الأسئلة على جمهور المراقبين للحياة السياسية في إسرائيل مثل ما الذي يستطيع حزب "الليكود" تقديمه الآن لإسرائيل عدا أيديولوجيته القديمة التي عفا عليها الزمن، والتي تعدُ اليهود بدولة تمتد إلى شرق نهر الأردن؟ وماذا فعل حزب "العمل" طيلة فترة تواجده في السلطة عدا إضعاف السلطة الفلسطينية والتحسر على السلام الضائع دون اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيقه؟ أما حزب "كاديما"، الذي جمع تحت خيمته منشقين عن حزبي "العمل" و"الليكود"، فمازال يعيش حالة من الغموض الفكري والضبابية الاستراتيجية بعد فقدان قائده آرييل شارون. وسط هذا الوضع المتشظي للسياسة الإسرائيلية وتوزعها على أحزاب متنافرة، يبقى الحل حسب الكاتب في الالتفاف حول الوسط والتخلي عن أوهام الماضي، لا سيما وأن تنازلات السلام باتت معروفة للجميع بعدما تحدث عنها إيهود أولمرت علناً في لحظة اعتراف نادرة. وبالطبع لن يتحقق ذلك إلا في ظل حكومة وحدة وطنية تضم قيادات الأحزاب الثلاثة، وتركز على المصلحة العامة للبلد بدل الانكباب على الانشغالات السياسية الضيقة والانصراف إلى مواجهة التحديات الكبرى. إعداد: زهير الكساب