التصريحات التي أدلى بها سلطان بن ناصر السويدي، محافظ المصرف المركزي، أول من أمس، حول تطوّرات الوضع الاقتصادي في الدولة، تتّسم بقدر واضح من الشفافية المطلوبة، التي يحتاج إليها السوق باستمرار كي يدرك المستثمرون والمتعاملون ما يدور حولهم من تطوّرات متسارعة في هذا القطاع الحيوي، الذي يمرّ بأزمة عالمية. التواصل بين المسؤولين الاقتصاديين والماليين ورجل الشارع، مطلوب بإلحاح في هذه المرحلة الحيوية، لتفادي أي بلبلة أو تشويش في الرؤى، سواء جراء تداول أي شائعات، أو نتيجة لأي استنتاجات، أو فهم مبتسر لأي طارئ أو تقرير أو خبر ذي صلة بالشأن الاقتصادي المحلي؛ وما يكسب مثل هذا التواصل القدر الأكبر من الصدقية لدى الرأي العام، داخلياً وخارجياً، هو توافر الشفافية والحقائق، وهو ما حدث عندما لم ينفِ محافظ "المصرف المركزي" إمكانية أن يواجه القطاع العقاري في البلاد مرحلة "تصحيح"، مؤكداً في الوقت نفسه أن المصارف احتاطت لهذه المرحلة بشكل جيد، وأن وضعها آمن. هذه الشفافية في توضيح حقيقة الوضع الراهن للبنوك العاملة في الدولة، تصبّ في مصلحة الدعوة الموجّهة إلى المواطنين للاستثمار في السوق المحلية، والاحتفاظ بأموالهم في البنوك المحلية، والتحذير من مخاطر الاستثمار في الأسواق العالمية باعتبار أن "الاستثمار في السوق المحلية هو الأفضل والأضمن على مستوى العالم". هذه "الرسالة" التي وردت على لسان محافظ البنك المركزي تؤكدها الإحصاءات، التي تشير إلى أن 75% من الودائع في المصارف العاملة بالدولة تعود إلى مواطنين، وأن حصة البنوك الأجنبية العاملة في الدولة من إجمالي الودائع لا تتجاوز 11.2%، وهذا مؤشّر قوي إلى حجم ثقة المواطنين بأداء المصارف الوطنية، وإقبالهم على وضع مدّخراتهم بهذه البنوك. المبادرة إلى إعلان الحقائق أولاً بأول والاشتباك والتعاطي الفوري مع أي شائعات مهما تضاءل حجمها أو تأثيرها المتوقّع، ليست فقط مهمة الإعلام المحلي، ولكنها أيضاً مهمة ملحّة للمسؤولين، فاقتصادنا بخير، والحمد لله، ولكن هذه الحقيقة لا تحول في بعض الأحيان دون بروز مخاوف فردية، أو مشاعر قلق نتيجة تداول معلومات مبتورة من هذا المصدر أو ذاك، مع ما يعنيه ذلك من تساؤلات تقفز أحياناً إلى أذهان الجمهور، وتحتاج إلى إجابات واضحة وقاطعة وشفافة من مصادر وجهات رسمية موثوق بها. في الآونة الأخيرة دار جدل حول المسؤولية عن محدودية تغطيات الإعلام المحلي للأزمة المالية العالمية وتأثيراتها في الاقتصاد الوطني، والبعض رأى أن الإعلام المحلي بريء من أي اتهام بالتقصير، معتبرين أن دور الصحافة يتوقف عند تداول الحدث، ممثلاً في تصريحات المسؤولين الماليين والاقتصاديين، وأن هذا الدور لم يفعّل لأن الصمت كان شعار مسؤولي المصارف والبنوك المحلية في بدايات الأزمة المالية العالمية، ما تسبب في تداول بعض الشائعات حول أداء بعض هذه المصارف. ربما كان في ذلك جزء من الحقيقة، لكنه ليس الحقيقة كاملة، فصناعة الخبر هي أحد أدوار الصحافة الحديثة، والواقع يشير إلى أن صحافتنا المحلية لا تعنى بالتخصصية الاقتصادية ضمن معاييرها المهنية، ولا تطور ما هو قائم من ملاحق تستهلك الأخبار والتقارير التي تنتجها الوكالات الدولية ووسائل الإعلام الغربية، ولا تسهم في إنتاج مادة اقتصادية متخصصة تتماشى مع مكانة الاقتصاد الإماراتي ضمن منظومة الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن. من جانب آخر فإن التواصل المستمر مع الإعلام، خصوصاً المحلي، بات أمراً ضرورياً بالنسبة إلى الجهات الاقتصادية والمالية بالدولة، والفكرة القائلة إن ما يقدم من معلومات على فترات متقطعة كافٍ للتواصل مع الجمهور، تستحق المراجعة، فانتشار شائعة سلبية قد لا يستغرق سوى ساعات، وربما دقائق، في حين أن نفيها وإقناع الجمهور بالحقائق، قد يتطلبان من الجهد والوقت ما يفوق ذلك بمراحل عديدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.