ذكر تقرير إعلامي، نشر مؤخراً بصحيفة "الاتحاد"، أن وزارة التربية والتعليم خصّصت حصّة أسبوعية للقراءة الحرّة ضمن جدول حصص اللغة العربية، للمرة الأولى على مستوى المرحلة الثانوية. هذه المبادرة، التي تأتي ضمن مشروع يعرف باسم "القراءة ثقافة وسلوك"، تستحق التشجيع والتعميم سواء على مستوى المراحل الدراسية جميعها أو على مستوى المدارس، الحكومية والخاصة كافة، من دون استثناء. أهميّة مثل هذه المبادرة تنبع من اعتبارات عدّة أولها ما يمكن حصاده من مكاسب ثقافية وعلمية في حال تحوّلت القراءة إلى عادة يومية وسلوك يمارسه الطلاب والطالبات بشكل متواصل، بما يسهم فعلياً في بناء شخصية الإنسان ويصقل مهاراته اللغوية والفكرية والبحثية، في وقت تركّز فيه خطط تطوير التعليم بالدولة على العنصر البشري محوراً للعملية التعليمية ومحرّكاً لها. الإحصاءات الخاصة بمعدّلات القراءة في الدول العربية تشير إلى أرقام متدنية بشكل يفسّر ما تعانيه هذه الدول على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، فالمواطن العربي يقرأ سنوياً نحو ربع صفحة، في حين يبلغ هذا المعدل بالنسبة إلى المواطن الأميركي على سبيل المثال 11 كتاباً، والبريطاني 7 كتب في العام! هناك إحصاءات أخرى تشير إلى أن معدّل قراءة الفرد العربي يبلغ ست دقائق سنوياً، في حين يبلغ هذا المعدل ستاً وثلاثين ساعة في الغرب، وبينما يصدر الناشرون العرب كتاباً واحداً سنوياً لكل ربع مليون شخص، هناك كتاب لكل خمسة آلاف شخص في الغرب! إحصاءات الأمية في الوطن العربي تقول إن عدد الأميين في الوطن العربي في الفئة العمرية 15 عاماً فأكثر يبلغ نحو 71 مليون أمي لا يجيدون القراءة والكتابة، أي نحو ربع تعداد العالم العربي تقريباً. هذه الأرقام والإحصاءات تبدو كافية للتعرّف إلى واقع القراءة والتعاطي مع الكتاب في عالمنا العربي، وهي تفسّر أيضاً جانباً كبيراً من أسباب الواقع الثقافي والمعرفي والتكنولوجي والتعليمي العربي الراهن. وفي ظلّ طموحنا إلى إحداث نقلة نوعية في النظام التعليمي في دولة الإمارات، يصبح دعم المبادرات التي تستهدف تشجيع النشء على القراءة مسألة بالغة الأهمية والحيوية، بحيث لا تتحوّل حصّة القراءة الحرّة إلى مجرّد "خانة شكلية" بحيث تقتنص هذه الحصّة وتستغل لتعويض أي تأخّر في المناهج الدراسية، أو التوسّع في شرح بعض الدروس، خصوصاً تلك التي يجد الطلاب والطالبات صعوبات في استيعابها. نجاح هذه المبادرة يحتاج أيضاً إلى وجود مكتبات من الأساس وليس مجرّد غرف محشوة بالكتب القديمة والمهملة، وقناعة مطلقة بقيمتها النوعية الهائلة على المدى البعيد، بل ويستحق الأمر أن تتم دراسة زيادة حصص القراءة الحرّة الأسبوعية إلى حصتين بدلاً من واحدة، وأن يتم تطبيقها وفق منهجية تحفيزية جادة، كي لا تطبّق بشكل إجباري يؤدي إلى نتائج عكسية تنفّر الطلاب والطالبات من القراءة بدلاً من تشجيعهم عليها، كما يستحق الأمر كذلك مراجعة حال المكتبات في جميع المدارس، والتعرّف إلى نوعيات الكتب الموجودة، بحيث تشتمل المكتبات على نوعيات كتب متنوّعة، تتماهى مع الاحتياجات المعرفية والتربوية للطلاب من جهة، ومع ما يرغب الطلاب بقراءته من جهة ثانية. المطلوب أيضاً أن تضمّ المناهج التعليمية ذاتها ما يحفّز الطلاب والطالبات على القراءة، وألا تكون هذه المناهج والكتب الدراسية بحدّ ذاتها سبباً في تنفير الطلاب من القراءة، ناهيك عن ضرورة تضافر الجهود بين البيئة التعليمية والمنزلية من أجل تقديم القدوة للنشء، وغرس عادة القراءة وتنميتها لدى النشء عبر عودة المكتبات والكتب لتكون جزءاً رئيسياً من المنازل والبيوت. القراءة الحرّة هي الإعداد الجاد والتهيئة الحقيقية للمرحلة الجامعية والحياة العامة، وينبغي أن تنال من جهود المعنيين والتربويين ما تستحق من اهتمام وتشجيع. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية