على العرب أن يعيشوا ويموتوا في خوف، فقد حكمت الولايات المتحدة عليهم بالخوف، حكماً لا يعترف بالاستئناف. فإذا ارتفعت أسعار النفط، عليهم أن يخافوا، وإذا انهارت بنوكها عليهم أن نخاف، لأنهم ساروا على نظامها الرأسمالي واستثمروا فيها من الملايين ما تنوء به العصبة ذات القوة، وعليهم أن يقعوا في أفخاخ الرعب لأنها تهددهم بالتخلي عن لعب دور لضمان الاستقرار في منطقتهم إن فكرت دولة في الانقضاض على أخرى. وإذا ما أصاب المناخ مرض عضال تسبب فيه جشع الدول الرأسمالية وما لديها من أنانية المال، علينا أن نخاف وأن نركض خلف فرص إنقاذ، لكن عن طريقها أيضاً، فما زال العرب في مرحلة الحضانة، وبالتالي لم يحن موعد فطامهم بعد. الولايات المتحدة تمُسك بالعصا لتقِّوم سلوكنا المنحرف إنْ لاحت بوادر تشذيب لمخاوفنا الواهمة، فكم من الأزمات والحروب قامت لأننا نخاف، ولم نعقل أن الخوف شلل محدق وهزيمة بكل عمق المعنى وألمه وإحباطه. ليس صحيحاً أن المصالح العربية لديها، إن العرب فقط يخافونها، لأنهم أنشأوا أسواراً وقالوا إن العدو يتربص بنا، وسيّجوا السماوات بسياجات من حديد واختناق، وقالوا إن الدعوات قد تصعد دون استئذان، وصادروا الكلمات وظنوا أن قليلاً من الخوف قد يجعل الحياة بالنسبة لهم أكثر سهولة! لم يذهب العرب للبحث عن حلول فعلية للمخاوف الحقيقية، لم يسعوا إلى تأطير القوانين بحماية تضمن كرامة الانسان وتحفظ سيادة الدول، لم يتيحوا الفرصة لأبنائنا لخوض غمار التجربة، والسؤال والبحث الحر واقتناص الفرص المتساوية للجميع وعلى حد سواء. ربما يكون حال العرب أشبه بمن صدَّق مخاوف وهمية، وفي تقديري هذا ليس لأن العرب قليلو حيلة، أو تدبير، إنه فقط اعتياد على الخوف، والعيش في دوامة أكاذيب اخترعتها الولايات المتحدة لنا، وقبلنا بها ومن ثم سارعنا بتصديقها. ربما كانت هناك مخاوف أصيلة، ولكن بالضرورة ليست بالكمّ والكيف الذي يحاول البعض إيهامنا به، والأهم أن الخوف إنما مصدره الولايات المتحدة حين انتهجت سياسات أحادية، وعاثت الفساد في المناخ، وأرّقت بسطوتها شعوباً من المحيط إلى الخليج، لكنه خوف أعزل، ليس جديراً بالمواجهة ما دام مرتهناً بصوتها الوحيد الذي لا نسمع -فيما يبدو- سواه. فلتكف أميركا عن المتاجرة بمخاوفنا وعن تصديرها لنا كوابيس بلا يقظة، وعن استباحة كل ثوابتنا وقناعاتنا، ولكن في البداية علينا أن نكف نحن العرب عن الاسراف في الخوف!