نستخدم جميعاً، وبشكل يومي، مادة كيميائية أو أخرى لرفع نشاطنا الذهني، وزيادة قدراتنا العقلية على تأدية الوظائف اليومية الاعتيادية. ففنجان القهوة، أو كوب الشاي، أو نيكوتين التبغ، ما هي في الحقيقة إلا مركبات كيميائية منشطة للجهاز العصبي. فالقهوة التي هي وسيلة (طبيعية) للحصول على مركب الكافيين المنبه، تعتبر بدون منازع أكثر المشروبات انتشاراً في مختلف دول العالم. حيث تشير التقديرات إلى أن الإنتاج العالمي من القهوة يبلغ قرابة سبعة ملايين طن سنوياً، وهو ما يجعل القهوة من أكثر السلع قيمة في سوق التجارة الدولية، ولا يفوقها إلا النفط من حيث القيمة التجارية. أما الشاي، الذي بالإضافه لاحتوائه على نصف محتوى كوب القهوة من الكافيين، فإنه يحتوي أيضاً على مادة منبهة أخرى هي "الثيو-فلين". هذا إضافة إلى أن الاستهلاك البشري للكافيين لا يقتصر على الموجود منه في القهوة أو الشاي فقط، حيث أصبحت هذه المادة تتواجد في الكثير من الأطعمة والمشروبات، مثل المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة. وهي الحقيقة التي تتضح من أن غالبية المشروبات الغازية، تحتوي على جرعة من الكافيين تصل أحياناً إلى 50 مليجراماً. وهو ما ينطبق أيضاً على مشروبات الطاقة، التي يحتوي بعض أنواعها على 80 مليجراماً من الكافيين في العلبة الواحدة. والحال أن هذا الاستخدام المتأصل للمنشطات العصبية (الطبيعية) في الثقافة البشرية، يجد قبولًا واسعاً من قبل الطلبة منذ زمن بعيد. فليس بالغريب أو المستهجن، أن يحتسي الطلاب بضعة فناجين من القهوة أو الشاي، لرفع مستوى تركيزهم، أو لدرء النعاس عن عيونهم في ليالي الامتحانات. ومنذ سنوات عديدة، وخصوصا بين من لا يستسيغون طعم القهوة والشاي، لجأ هؤلاء للاعتماد على أقراص وكبسولات الكافيين، التي تمنحهم التأثير نفسه، ودون مشقة تحضير وتجهيز الشاي والقهوة. وهو الاتجاه الذي أخذ منحى جديداً مع اتجاه هؤلاء، وغيرهم، للاعتماد على بعض العقاقير الطبية الحديثة، المعروف عنها تأثيرها المنشط والمنبه على الجهاز العصبي. ويحتل عقار خاص، سنرمز له هنا بالحرف (R) فقط، رأس قائمة العقاقير الطبية المنشطة التي يستخدمها بعض الطلاب حالياً، والتي أصبحت تعرف بعقاقير الدراسة (Study Drugs). وهذا العقار يوصف أساساً لعلاج الأطفال المصابين باضطراب فرط النشاط الزائد (ADHD)، وهو اضطراب يتميز بنمط دائم من نقص الانتباه، المصاحب غالباً بفرط النشاط، والاندفاعية في التصرفات. ويظهر هذا الاضطراب في مراحل الطفولة المبكرة، على شكل كثرة النسيان، وسهولة التشتيت، وعدم القدرة على التحكم في الرغبات، والزيادة الملحوظة في مستوى الحركة. ولذا تهدف العقاقير التي تستخدم لعلاج هذا الاضطراب، إلى زيادة تركيز وانتباه الأفراد المصابين به، مما يجعلها عقاقير مثالية لكل من يرغب في تحقيق الأهداف نفسها دون أن يكون مصاباً بمرض ما. ولكن تحمل هذه العقاقير خطراً خاصاً، يتمثل في احتمالات إدمانها. ولذا، وحسب القوانين الدولية المنظمة للعقاقير المنشطة (Convention on Psychotropic Substances)، تصنف هذه العقاقير ضمن المواد المخدرة، أو ما يعرف أحياناً بجدول المخدرات. وهو ما يعني أن حيازة هذه العقاقير دون وصفة طبية، تؤدي في بريطانيا مثلاً إلى عقوبة بالسجن تصل إلى خمسة أعوام، أما الاتجار بها فيؤدي إلى عقوبة بالسجن تصل إلى أربعة عشر عاماً. وحتى في حال وجود وصفة طبية، لا يمكن صرف كمية للاستخدام لفترة أكثر من ثلاثين يوماً، ولا يسمح بإعادة الوصفة الطبية دون مراجعة الطبيب مرة أخرى. ولكن للأسف، على رغم هذه القوانين الصارمة، يتزايد استخدام هذه النوعية من العقاقير يوماً بعد يوم، من قبل الطلاب الراغبين في الدراسة لساعات وأيام متصلة دون انقطاع. بسبب ما تحققه هذه العقاقير من زيادة خارقة في القدرة على التركيز، ودون أن تنتج عنها زيادة في التوتر والعصبية، كما هو الحال مع الجرعات الكبيرة من الكافيين. وفي ظل كون هذه العقاقير أصبحت متوفرة عبر صيدليات الإنترنت، دون وصفة طبية، وبثمن زهيد لا يزيد على بضعة دراهم للحبة الواحدة، لا يتوقع لاستخدامها أن يشهد تراجعاً عما قريب، وخصوصاً في ظل التطبيقات الجديدة التي أصبحت تسخر لها، مثل المساعدة على إنقاص الوزن، نتيجة ما تسببه من تثبيط شديد للشهية، وإن كان لجوء بعض الآباء للعقاقير المنشطة للجهاز العصبي، هو أحد أخطر الاستخدامات التي أصبحت تسخر لها هذه العقاقير. فالكثير من الآباء يعتقدون أنه إذا ما كان بإمكان هذه العقاقير أن تزيد من مستوى التركيز لدى الأطفال المصابين بنقص التركيز المرَضي، فإنه يمكنها أيضاً أن تزيد من مستوى التركيز لدى الأطفال الطبيعيين. ولكن يغيب عن هؤلاء الآباء، وغيرهم من مستخدمي العقاقير المؤثرة في القدرة على التركيز، أن هذه العقاقير في البداية والنهاية، ما هي إلى مركبات كيميائية اصطناعية دخيلة على الجسم. وأن تحفيز الجهاز العصبي يتم في تلك الحالات بشكل غير طبيعي، وهو ما يترك الباب مفتوحاً على مصراعية للآثار الجانبية طويلة المدى على الجهاز العصبي، وعلى التوازن النفسي والعقلي، خصوصاً إذا ما بدأ استخدامها منذ سنوات الطفولة. وتبقى الحقيقة الأساسية هي أن تعاطي هذه العقاقير، وتداولها، جريمة، يعاقب عليها القانون بالسجن. كما أن أي نجاح أكاديمي يتم تحقيقه من خلالها، ما هو في الحقيقة إلا غش دراسي، سيعجز صاحبه عن ترجمته في النهاية إلى أداء متميز في الحياة العملية وفي مجال العمل. د. أكمل عبدالحكيم