أوروبا ترفض إطلاق "أوبك للغاز"... وساركوزي يكرس "الزعامة الأوروبية" الحكم على أداء الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي في ضوء الأزمة المالية، والدعوة إلى تأسيس نظام مالي عالمي جديد، والتجاذب حول تأسيس "أوبك" في مجال الغاز، موضوعات ضمن أخرى تحضر بقوة هذه الأيام في الصحافة الفرنسية. زعامة ساركوزي الأوروبية: اهتمت معظم الصحف الفرنسية بالطابع القيادي الأوروبي الجماعي الذي أظهره الرئيس نيكولا ساركوزي منذ بداية الأزمة المالية العالمية. في افتتاحية لصحيفة لوموند حللت الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال دعوته هذا الأسبوع إلى إقامة نوع من "الحكومة الاقتصادية الأوروبية" مشيرة إلى أنه تصرف طيلة الأزمة المالية من منطلق كونه "رئيس أوروبا" وقد أثبت أن التكتيك يكون مفيداً أحياناً أيضاً للعمل الجماعي خلال فترات العاصفة، غير أنه لا شيء يضمن أن الخطاب الذي ألقاه هذا الأسبوع أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج، سيقنع البرلمانيين الأوروبيين بمجمل تفاصيل أطروحاته. وفي السياق نفسه كتب بول- هنري ديلامبرت افتتاحية في صحيفة لوفيغارو بعنوان: "مجال ساركوزي الجديد" دافع فيها بحماس عن الطريقة التي واجه بها سيد الأليزيه الأزمة المالية. فقد أثبت الرئيس الفرنسي، الذي كان يحلو لكارهيه تسميته بـ"ساركوزي الأميركي" وبأنه غير وفي للقيم الجمهورية الفرنسية، أنه على عكس ما كانوا يظنون تماماً. فقد بادر أولاً بالوفاء للتقليد السياسي الفرنسي بإمساكه زمام المبادرة من خلال تحمل الحكومة لمسؤوليتها كاملة في التدخل لإنقاذ الاقتصاد من تداعيات الأزمة. ومثل هذه العقلية البراغماتية في التدخل الحكومي تعبر بشكل واضح عما يمكن تسميته بـ"الوطنية الاقتصادية"، وهي وطنية يوافق الرئيس فيها كثيرون جداً داخل فرنسا، ولذلك كانت النظرة العامة إيجابية جداً تجاه الطريقة التي عولجت بها الأزمة. وانتهى ديلامبرت إلى الإشادة بمقولة ساركوزي يوم الخميس الماضي بأن الأزمة العالمية أزاحت الستار عن البداية الفعلية للقرن الحادي والعشرين، وذلك بإطلاقها لنظام اقتصادي عالمي جديد. كما عنون الكاتب الشهير ألكسندر أدلر مقاله الأسبوعي أمس في لوفيغارو أيضاً: "ساركوزي... رجل أوروبا القوي الجديد" مؤكداً فيه تكريس الرئيس الفرنسي، من خلال الأزمة، لزعامته الأوروبية، بشكل لا لبس فيه. إصلاح النظام الاقتصادي العالمي: في افتتاحية كتبها فرانسوا أرنوين بـ"لاكروا" وصف مساعي الرئيس الفرنسي للتأسيس لنظام مالي عالمي جديد، والتي ذهب من أجلها هذا الأسبوع إلى واشنطن على رأس وفد أوروبي كبير لإقناع الأميركيين بضرورة العمل على إيجاد نوع من اتفاقات "بريتون وودز" جديدة، بأنها تعبير عن مطامح أوروبية جماعية، يُخشى ألا تجد تفهماً كافياً من قبل الإدارة الأميركية وعلى رأسها جورج بوش. فتأمين المشهد المالي الدولي الآن لا يعني في نظر الأميركيين القفز على جدران مؤسسية هم من دشنها على نحو يضمن تكريس مصالحهم منذ ستين عاماً، أو أكثر. ثم إن الدول البازغة اقتصادياً كالصين والهند والبرازيل قد لا تكون مستعدة هي أيضاً لتغيير قواعد اللعبة في النظام المالي الدولي الآن. وفي افتتاحية كتبها ميشل إيرفوي بـ"ويست فرانس" نبه إلى مصاعب أخرى تعترض مساعي ساركوزي، فإلى جانب التردد على المستوى الدولي هنالك أيضاً الامتعاض في الداخل الفرنسي، بسبب بعض مفردات حزمة التدابير التي اتخذها في مواجهة الأزمة. فعلى رغم إعلانه في بحر ثلاثة أيام فحسب عن ضخ 360 مليار يورو -حتى لو كان الأمر متعلقاً بمعنى ما بمبالغ افتراضية- من أجل إعادة أجواء الثقة إلى المنظومة المالية إلا أنه ما فتئ يظهر العجز المطبق، ومنذ زمن بعيد، عن تحريك أدنى ساكن للوفاء بالتزاماته ووعوده فيما يتعلق بتقليص معدلات البطالة والفقر، وكأنه بذلك يعتقد أن إنقاذ النظام المالي أهم كطريق للاستثمار من إنقاذ الرأسمال البشري، أو، بعبارة أخرى، كأن الاهتمام بالعائد الاقتصادي المتأتي من قوة العمل لا يوازي في قيمته تلك المتعلقة بالعائد المتأتي من رأس المال! وأخيراً في افتتاحية أخرى كتبها دانيل رويز لـ"لامونتان" قلل فيها من قيمة التفهم الظاهر الذي أبداه الرئيس بوش لمساعي ساركوزي لتطويق آثار الأزمة المالية، فقد ذهب سيد قصر الأليزيه في ما يبدو في مهمة إقناع لبوش بضرورة أن يترك وراءه شيئاً يذكره التاريخ به غير سوء التقدير والأخطاء السياسية والتشدد المحافظ والحروب غير المكتملة. إنه العمل على تنظيم قمة تجمع قادة مجموعة الثماني والدول البازغة قبل نهاية فترة ولايته، وذلك لوضع قواعد لعبة مالية جديدة. ويرى الكاتب أن بوش ليس روزفلت، وأن من سيتحمل في النهاية مسؤولية عالمية من هذا النوع هو في المقام الأول ساركوزي والأوروبيون. "أوبك للغاز"... ونفط رخيص: جان- ميشل بيزا كتب في لوموند مقالاً بعنوان: "إوروبا ترفض قيام أوبك للغاز" رصد فيه مساعي روسيا وإيران وقطر لتشكيل كارتيل ثلاثي "ترويكا" يكون نواة لتأسيس منظمة دول مصدرة للغاز، على شاكلة منظمة "أوبك" النفطية، مبرزاً عاصفة الاحتجاج الأوروبية الواسعة في وجه هذه الخطوة. وما يعطي النوايا المعبر عنها من قبل هذه الدول الثلاث أهمية بالغة هو أنها تستحوذ مجتمعة على 56% من احتياطيات الغاز العالمية، وأي تنسيق في هذا المجال يجعلها قادرة على فرض إرادتها فيما يتعلق بأسعار "الذهب الأزرق"، الذي تعد أوروبا إحدى أكثر مناطق العالم استهلاكاً له. ويرى "بيزا" أن طموحات الدول الثلاث لا تقف عند تشكيل تعاون وتنسيق فيما بينها وإنما تسعى أيضاً إلى تحويل هذه "الترويكا" التي تضم البلد صاحب أكبر احتياطي عالمي (روسيا) والثاني (إيران) والثالث (قطر) إلى رافعة تجذب إليها بقية الدول المصدرة للغاز في منظمة جامعة، وهذا ما يتعارض مع مصالح أوروبا التي تريد أن يكون الغاز مثل كل أشكال الطاقة مجرد سلعة معروضة في سوق حرة. وفي سياق متصل خصصت لوموند افتتاحيتها ليوم أمس (السبت) لموضوع الانخفاض المتواصل لأسعار النفط العالمية التي هبطت من 147.50 منذ فترة قريبة إلى 62 دولاراً للبرميل أول من أمس (الجمعة)، مشيرة إلى أن هذا الانخفاض المتواصل لاشك أنه خبر سار بالنسبة لكثيرين لجهة دلالته على تحسن القدرة الشرائية ما يعني تزايد فرص نمو أكبر، أو أقل سوءاً على الأقل. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن هذا الانخفاض الكبير للأسعار لم يأت نتيجة زيادة محسوسة في العرض وإنما كان بسبب تآكل الطلب بفعل تراجع الاستهلاك إثر تقلص نمو الاقتصادات العالمية. وبقدرما يكبح انخفاض أسعار النفط استئساد بعض الدول المصدرة له مثل روسيا وفنزويلا وإيران على جيرانها، وهذه إيجابية سياسية، إلا أنه يؤثر في المقابل سلباً على الجهود الدولية المتعلقة بالاستثمار في بدائل مصادر الطاقة الحفرية، حيث تغدو تلك البدائل عديمة المردود، ما يؤدي مجدداً إلى إهمالها ومن ثم عودة جنون أسعار النفط مجدداً في أول فرص الطلب الكثيف. بل إن معظم الخبراء يرون أن النفط سيعود على الأقل في المدى المتوسط إلى الارتفاع حتى يصل حدود 150 دولاراً للبرميل. إعداد: حسن ولد المختار