كثيراً ما يتطلع الساسة الأميركيون الطموحون، إلى عظمة الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، وعلى أية حال، فإن في وسع الرئيس المقبل أن يكون نسخة القرن الحادي والعشرين من روزفلت. فسواء كان هذا الرئيس أوباما أم ماكين، فإن عليه أن يدرك أن المسؤولية الأولى الملقاة على عاتقه، هي استعادة ثقة العالم بأميركا ونظامها المالي. فعلى رغم تخصيص مئات المليارات من الدولارات لعلاج الأزمة المالية التي ضربت أسواقنا، يُحكم الخوف قبضته على بلادنا. وهذا ما يطالب الرئيس الجديد ليس بتبني برنامج شجاع فحسب، وإنما بإظهار ما يكفي من العزم القادر على طمأنة المواطنين على تعافي نظامهم المالي أيضاً. وتوفر المقارنة مع إنجازات وخطوات الرئيس الأسبق روزفلت، بداية جيدة وحافزة للرئيس المقبل. فينبغي للإدارة الجديدة أن تعيد رسملة البنوك، إلى جانب توفير شريان حياة لملايين الأسر الأميركية، عن طريق مساعدة أصحاب البيوت على الوفاء بالتزامات رهنهم العقاري والتمكن من مواصلة سدادهم لما عليهم، مع استمرار بقائهم في بيوتهم، دون أن يخسروها أو يحرموا منها. وينبغي لـ"الصفقة الجديدة" في نسختها الحديثة أن تمد يد العون إلى أفراد الطبقة الوسطى الأميركية العريضة، في ذات الوقت الذي تحول فيه دون انخفاض أسعار البيوت والممتلكات العقارية، خاصة وأن هذا الانخفاض هو الذي يدفع بالمجتمعات إلى الهاوية ويزعزع ثقة الدائنين في نظامنا المالي. وعلى الرئيس المقبل أن يصحح عيوب وأخطاء النظام المالي والرقابي، على نحو يتسم بالابتكار. وفي السياق نفسه، ينبغي له أن ينشئ آليات جديدة للمقاصة والتسوية، توفر الضمانات الكافية للحيلولة دون قدرة الشركات الفاشلة والمتعسرة على تجميد الائتمانات. كما يتعين عليه إنشاء معايير قوية للرسملة وتوفير السيولة النقدية للقطاع المالي، جنباً إلى جنب مع ردع السلوك غير المسؤول. وفوق ذلك كله، لا بد للطاقم الإداري الجديد من تقديم حزمة للحوافز المالية كانت قد أهملتها "الصفقة الجديدة". ما أشد حاجة الرئيس المقبل لأن يبني ويعزز موقفه خلال المئة يوم الأولى من توليه للمنصب الرئاسي. ويتعين عليه تحديد الاتجاه واستعادة الثقة في قدرة أميركا على القيادة العالمية ورسم آفاق المستقبل. ولن يتحقق هذا الهدف بمعزل عن تبني برامج وسياسات داخلية يستشف منها الهدف والقدرة على البناء المستقبلي: الارتقاء بالمدارس ورفع مستوى النظام التعليمي، تحسين خدمات الرعاية الصحية الأساسية وتوسيع نطاقها، تقديم العون للعاملين وتمكين المواطنين من التكيف والاستعداد لملاءمة تغيرات السوق التنافسية العالمية، إصلاح قوانين الهجرة بما يمكن أميركا من استقطاب المواهب العالمية. وعلى الرئيس المقبل أن يقود كلاً من الكونجرس والجمهور الأميركي معاً حتى تتمكن البلاد من إعادة بناء مدخراتها ومسؤوليتها المالية التي سامها الخراب والدمار. ويواجه الرئيس المقبل تحدياً تاريخياً فريداً من نوعه: إعادة تعريف العالم بأميركا. وفي سبيل إنجاز هذه المهمة بأسرع وقت ممكن وعلى أكمل وجه، فإن عليه أن يسارع بإيفاد نائبه ووزراء خارجيته وخزانته ودفاعه إلى شتى دول العالم، كبيرها وصغيرها، النامية منها والمتقدمة، في مختلف القارات، بهدف التشاور مع قادة هذه الدول، في كل ما يؤرق العالم ويواجهه من قضايا وتحديات. وعلى سبيل المقارنة، لنذكر هنا أن وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، كان قد زار 15 دولة من الدول الأعضاء في حلف "الناتو"و في جولة مكوكية مدتها 8 أيام فحسب عام 1989! واليوم فإن في وسع الرئيس الجديد الوصول إلى 50 دولة من دول العالم أو أكثر منها، خلال الأشهر الأولى التالية لوصوله إلى البيت الأبيض. ولتتلخص مهمة الوفود الأميركية الزائرة لهذه الدول في الاستماع والتعلم من قادة العالم الآخرين، والإنصات لما يقولونه عن تطلعاتهم وهواجسهم. فما أشد حاجة أميركا للاستماع للآخرين. وكان مهندسو ومستشارو إدارة روزفلت قد ابتكروا نظام "بريتون وودز" الذي واصل بناءه للمستقبل على رغم تصديه لقوى الماضي وجيوشه. وترك لنا جيل ذلك النظام ورثتين ثمينتين نستطيع البناء عليهما في وقتنا الحالي: المؤسسات الدولية -مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي- ثم الالتزام الفكري السياسي بمبدأ الجماعية الدولية، التي يمكن بواسطتها تحويل أزمات عصرنا، إلى فرص ذهبية يمكن لنا اغتنامها. وتتطلب الاستفادة من ذلك الإرث تغيير بل تحديث النظام المالي الحالي، القائم على هيمنة الدول السبع الغنية، إلى مجموعة قيادية جديدة، تتضمن فيما تتضمن حملة الأسهم النامين الجدد. وبدلاً من التمسك بأنماط القرن العشرين، القائمة على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، فإن في الإمكان تبني نظام جديد للتعددية الدولية، يضم حتى شركات ومؤسسات القطاع الخاص، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية. والمطلوب توفره في هذا النظام، أن يكون أكثر مرونة وأوسع تمثيلاً للعالم وأكثر براجماتية وتعزيزاً لتشابك العالم ومؤسساته المالية. وعلى الرئيس المقبل أن يبني على ما ورثه من رصيد أميركي ودولي سابق، فيما يتصل بابتكارات التنمية المالية، بما فيها معالجة الإيدز والفيروس المسبب له، والتعاون في مجال تحديات الألفية الجديدة، وكذلك التعاون في صناديق استثمارات التغير المناخي. وفي الوقت ذاته، فإن عليه أن ينظر إلى صعود القوى الاقتصادية الجديدة مثل الهند والصين على أنه عامل مساعد على النمو الاقتصادي العالمي، وعون للعالم على استعادة تعافيه المالي، بدلاً من تحويله إلى "بعبع" وفزاعة لترويج ثقافة الخوف. وبالقدر نفسه يجب على الرئيس الأميركي المقبل أن يخرج من فخ العزلة الأميركية ويقف إلى جانب النمو الاقتصادي الباهر الذي تشهده اليوم حوالي 25 دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وليس أقل من هذا الواجب أمام الرئيس المقبل، التصدي لعملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني، بما يوفر الأمن والسلام والديمقراطية لإسرائيل، ويؤدي إلى الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية وإحلال السلام بين سوريا وإسرائيل. وفي وسع تطور كهذا أن يسفر عن تغيير المشهد الشرق أوسطي برمته. إذاً فإن بسط الاستقرار في العراق، والدفع بأفغانستان وباكستان على طريق التقدم، جنباً إلى جنب حفز عملية السلام والتنمية في منطقة الشرق الأوسط عموماً، يمكن لها جميعاً أن تمهد الطريق أمام بسط السلام والأمن في رقعة أوسع على صعيد المنطقة كلها. فذلك هو نهج الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت.. لمن أراد المضي في خطاه. روبرت زوليك رئيس البنك الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"