تراجع الائتلاف العراقي الموحد عن توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، مُطالباً بتعديلات جديدة على نصوص الاتفاقية، في الوقت نفسه اشتدت الانتقادات للاتفاقية من داخل العراق وخارجه، فقد قادت جماعة مقتدى الصدر مظاهرات كبيرة في بغداد الأسبوع الماضي ضد الاتفاقية. ما هي الأسباب والدوافع التي قادت السياسيين العراقيين في الحكومة والبرلمان والحركات والأحزاب السياسية، ضد توقيع الاتفاقية بعد أكثر من ثمانية أشهر من المفاوضات حولها؟ لماذا التردد في التوقيع خصوصاً وأن الأوضاع الأمنية ما تزال غير مستقرة، والوضع السياسي ما يزال بعيداً عن المصالحة والوحدة الوطنية، والخلافات بين الأحزاب والحركات السياسية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، خصوصاً وأن هذه الأحزاب والحركات السياسية تملك جيوشاً ومليشيات عسكرية، وتدخل دول الجوار (خصوصاً من إيران الإسلامية) أصبح صريحاً وواضحاً لدرجة أن القادة الإيرانيين يعلنون رفضهم للاتفاقية وتدخلهم المباشر في الشأن العراقي؟! الحكومة العراقية المركزية ضعيفة ومترددة ولا تملك سلطة مطلقة على المحافظات، والجيش ليس أفضل حالاً، وقوى الأمن لا تزال ضعيفة وغير جاهزة وهي مخترقة من قبل المليشيات الحزبية والطائفية. هذا الوضع المتدهور في العراق لا يتيح للحكومة العراقية خيارات كثيرة، فإما التدهور العام والحرب الأهلية بعد خروج القوات الأميركية، أو توقيع الاتفاقية لعدة سنوات حتى تهدأ الأمور وتتم إعادة إعمار العراق مرة أخرى. في عالمنا المعاصر، الارتباط باتفاقيات وتحالفات اقتصادية وتجارية أو أمنية وعسكرية، أصبح أمراً مطلوباً وعادياً، خاصة في الحالات التي تحتاج فيها الدول الصغيرة لحماية ورعاية دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، والتي ترتبط بتحالفات عسكرية مع 131 دولة في العالم منها بعض الدول العربية والخليجية، وترتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية وثقافية مع كل الدول العربية، لذلك نستغرب ظاهرة الشك والتردد والخوف من الارتباط مع الولايات المتحدة باتفاقية أمنية خصوصاً وأن الولايات المتحدة هي التي حررت العراق من النظام الاستبدادي وهي التي منحت الفرصة للأغلبية الشيعية بإدارة الأمور. لا توجد بين القوى والأحزاب السياسية قوة أو حزب سياسي يدعم الاتفاقية ويؤيد بقاء الأميركيين في العراق لأطول مدة ممكنة، عدا الأكراد الذين يدعمون البقاء الأميركي لاعتبارات خاصة بهم ولطموحاتهم القومية الداعية للانفصال عن العراق. المعارضة الرئيسية للاتفاقية تأتي من إيران والأحزاب الموالية لها في العراق، فالسياسيون في إيران حشدوا كل طاقاتهم لمعارضة الاتفاقية، فمركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، طالب في بيان خاص بالإسراع بالاتفاق السياسي لجميع القوى السياسية الوطنية في العراق والحكومة وقوى ومؤسسات المجتمع المدني لمعارضة الاتفاقية وعدم توقيعها، كما طالبوا بوقف العمل بالاتفاقية ووقف المفاوضات وإجراء استفتاء شعبي وعدم المساومة على السيادة العراقية الوطنية، كما طالب البيان بأخذ رأي علماء الدين قبل التوقيع على الاتفاقية. السؤال المطروح علينا في الخليج: ما هو موقفنا الرسمي من الاتفاقية؟ لماذا السكوت؟ وهل من مصلحتنا خروج الأميركيين من العراق وتركه لقمة سهلة للنفوذ الإيراني؟ إن انسحاب القوة الأميركية من العراق سيخلق فراغاً أمنياً سوف تستغله إيران لبسط نفوذها في المنطقة. لذلك لابد من رؤية خليجية موحدة في هذا الشأن.