تعقد الانتخابات الأميركية بعد حوالي أسبوعين من اليوم، وتشير جميع استطلاعات الرأي إلى أن باراك أوباما سيحقق انتصاراً باهراً في هذه الانتخابات. فمنذ حوالي أكثر من شهر، وأوباما يتفوق على منافسه "الجمهوري" ماكين بحوالي سبع نقاط. وكلما اقتربت الانتخابات الأميركية كلما حاولت مؤسسات استطلاع الرأي أن تكون أكثر دقة في توقعاتها في فوز أحد المرشحين. وعلى رغم التقدم الكبير الذي طرأ على الآليات الإحصائية التي يستخدمها الباحثون في هذه المؤسسات، إلا أن اليقين في مثل هذه الاستطلاعات لازال بعيد المنال. وفي الانتخابات الحالية يدخل عنصر "الرس" أو العرق ليزيد من احتمالات عدم اليقين. ويشير الباحثون إلى ما يسمونه متلازمة أو "عامل برادلي" كعنصر مهم يضفي بعداً إضافياً لمثل هذه التوقعات، وقد يقلبها رأساً على عقب. و"عامل برادلي" هو ظاهرة تبرز في الانتخابات التي يدخلها مرشحان من عرقين مختلفين أحدهما أبيض والآخر أسود. وتعود هذه الظاهرة إلى عام 1982، حين رشح محافظ مدينة لوس أنجلوس السابق نفسه، وهو إفريقي أميركي، لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا، أمام مرشح "جمهوري" أبيض هو "دوكميجيان" الذي كان من أصول أرمنية. وكانت جميع استطلاعات الرأي حينئذ تشير إلى احتمال فوز المرشح الأسود (برادلي) أمام منافسه الأبيض "الجمهوري". وحتى ليلة الانتخابات كان جميع المراقبين وأجهزة الإعلام ترشح فوز "برادلي" بمنصب حاكم الولاية. غير أن نتائج تلك الانتخابات جاءت بعكس ما توقعته مؤسسات استطلاع الرأي، ففاز المرشح الأبيض بغالبية ضئيلة من الأصوات. وقد تكررت هذه الظاهرة في انتخابات متعددة في العشر سنوات الأخيرة، لمقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب. ويعزو معظم أساتذة العلوم السياسية هذه الظاهرة إلى عدم مصداقية المستجوب في إعطاء رأيه الصحيح. ففي بلد يعتبر المرء فيه عنصرياً، إن هو أعلن على الملأ عدم رغبته في ترشيح شخصية من أصول إفريقية لمنصب سياسي، فإن معظم المستجوبين يعطون آراء مضللة للباحثين. فهم يشعرونهم بأنهم سينتخبون المرشح الأسود، ولكن في يوم الترشيح يميلون إلى منافسة، ويصوتون للمرشح الأبيض، وهذا ما يعرف اليوم بـ"عامل برادلي". ومثل هذه العوامل الاجتماعية والقيم ليست حكراً على الناخبين الأميركيين ففي بعض البلدان العربية مثل فلسطين، فإن المواطن الفلسطيني حين يسأل عن أفضلياته الانتخابية فإنه يعلن في الغالب أنه سيصوت لمرشحي حركة "فتح"، كأكبر حزب سياسي تقليدي في فلسطين، ولكن عند التصويت الفعلي، فإنه ربما يعطي صوته إلى حركة أخرى، أو فصيل غيرها من الأحزاب الفلسطينية الأخرى. وهذا ما حدث بالفعل منذ سنتين حين كانت معظم استطلاعات الرأي يشير إلى احتمال نجاح كبير للنواب المرشحين من حركة "فتح"، لكن نتائج تلك الانتخابات أعطت حركة "حماس" أكثر المقاعد في المجلس الوطني الفلسطيني. ويستعد الفلسطينيون لعقد انتخابات جديدة في شهر يناير المقبل، وتشير استطلاعات الرأي التي نشرها مؤخراً مركز استطلاعات الرأي في الضفة الغربية إلى أن حركة "فتح" قد تحصل في هذه الانتخابات إن عقدت اليوم، على 43% من أصوات الناخبين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، مقابل 29% لصالح حركة "حماس". وكذلك الحال مع الرئيس محمود عباس الذي قد يحصل في انتخابات الرئاسة إن عقدت على 53% مقابل 39% لرئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية. وبالنسبة للانتخابات الأميركية فلا يعد المرشح "الديمقراطي" الأسود، باراك أوباما، زعيماً محنكاً أو سياسياً ماهراً، فتجربته السياسية قصيرة جداً مقارنة بمنافسه. لكن الإشكالية هي أن "جون ماكين" المرشح "الجمهوري" جاء ترشيحه في وقت غير مناسب، فمعظم الأميركيين سئموا حكم الحزب "الجمهوري"، وأقصوه قبل عام ونصف من الأغلبية الحاكمة في الكونجرس. كما أن شبح الرئيس بوش وحربه في العراق قد خيما لوقت طويل على الانتخابات الرئاسية في مرحلتها التمهيدية، أما الآن فقد جاءت الأزمة المالية الحالية لتضيف الكثير من الملح إلى جراح "الجمهوريين". وهناك شق من الحزب "الجمهوري" غير راض عن ترشيح "جون ماكين"، واختياره لسارة بالين كنائبه للرئيس، وقد وصل الانشقاق داخل الحزب "الجمهوري" إلى حد دفع بوزير الخارجية السابق "كولن باول" إلى الإعلان عن دعمه لترشيح المرشح "الديمقراطي". ويمثل "باول" الجناح المعتدل في الحزب "الجمهوري"، وكان على الدوام على يسار إدارة الرئيس بوش، واضطر إلى الانسحاب من تلك الإدارة في ولاية بوش الثانية، بسبب معارضته للحرب على العراق. كما أن أعضاء "جمهوريين" في الكونجرس، يمثلون ولايات ليبرالية مثل "مينسوتا" و"مين"، قد دعوا حملة "ماكين" إلى الترفع عن اللجوء إلى دعايات سياسية متدنية، مثلما هو واقع اليوم في كلا الحملتين "الجمهورية" و"الديمقراطية". ووصل الأمر ببعض الصحف مثل صحيفة "شيكاغو تربيون" الجمهورية إلى دعم حملة "أوباما" للرئاسة، ليس ولعاً في "أوباما" ولكن حنقاً على "ماكين" وسياسات الحزب "الجمهوري" الحالية، خاصة في المسائل المالية، ودعم الرئيس بوش المفتوح للبنوك الكبرى، التي كان رؤساؤها وسياساتهم سبباً في الأزمة المالية الحالية. وربما تعدى الحماس الجديد الجناح المعتدل في الحزب "الجمهوري" ليصل إلى بعض المستقلين الذين يمثلون نسبة جيدة من الناخبين الشباب في الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك فإن بعض رجال الأعمال البارزين من أمثال "إيريك شميت" رئيس شركة "جوجل" قد رمى بثقله في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية لصالح حملة ترشيح "أوباما"، وسعى إلى الظهور معه في عدد من الاحتفالات السياسية في فلوريدا. ويرى رجال الأعمال في دعم المرشح "الديمقراطي" لمنصب الرئيس فرصة مواتية لاحتلال موقع سياسي في وزارته المقبلة، بعد تنصيبه المتوقع في يناير المقبل. كما يرونها كذلك فرصة للتأثير على القوانين وجعلها مواتية لأغراضهم التجارية والاقتصادية، وخاصة أن الديمقراطيين سيحتلون جميع مراكز القوى في واشنطن، سواءً في السلطة التنفيذية، أو في السلطة التشريعية.