نظراً لافتقار المرشح الرئاسي "الديمقراطي" الأميركي باراك أوباما للتجربة بخصوص الشؤون الخارجية، فمن الأرجح أن يكون لآراء رفيقه في السباق "جون بايدن" وزن وتأثير في السياسة الدولية لإدارة أميركية يتوقع أن يقودها. وبالمثل، ونظراً إلى سن وصحة المرشح الرئاسي "الجمهوري" جون ماكين، فمن الأرجح أن يوافيه الأجل وهو في السلطة مقارنة مع رفيقته في السباق سارة بالين التي ستصبح في تلك الحالة رئيسة للولايات المتحدة. وبالتالي، فإن آراء المرشحين لمنصب نائب الرئيس بشأن السياسة الخارجية، وبخاصة منها الشرق الأوسط، تعتبر أكثر من مجرد مسألة فضول ثقافي، وإنما هي قضايا أساسية تكتسي أهمية وطنية ودولية. والصورة التي تطفو على السطح حين الحديث عن رؤى "جو بايدن" الخارجية وسجله الشرق أوسطي صورة تحفل بالمفارقات والتناقضات؛ إلا أنه حين يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن مواقف "جو بايدن" واحدة وثابتة على اعتبار أنه من مؤيدي معسكر الرفض داخل الجناح اليميني المتشدد في إسرائيل. وبخصوص المفارقات، عارض السيناتور بايدن الحرب ضد العراق عام 1991 لإنهاء احتلاله للكويت، علماً بأنها حرب رخص لها مجلس الأمن الدولي؛ ولكنه أيد بقوة الحرب ضد العراق في 2003، وهي حرب فشلت في الحصول على ترخيص مجلس الأمن، ونُدد بها على نطاق واسع باعتبارها حرب اعتداء غير قانونية. بل إن بايدن استعمل منصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ لإسكات الأصوات المعارضة للحرب، ونشر وإشاعة الأباطيل حول أسلحة الدمار الشامل العراقية. وعارض بايدن بقوة مطالبة بوش بأن تكون للرئيس الصلاحية الدستورية لإعلان حرب بدون إذن من الكونجرس؛ ولكنه صوت ضد تشريع فسره الكثيرون على أنه قد يعبد الطريق للحرب ضد إيران. كما انتقد إدارة بوش لتفكيرها في مخططات لتغيير النظام في طهران، داعياً إلى الانخراط الدبلوماسي؛ كما التقى شخصياً مع مسؤولين إيرانيين في "دافوس"؛ ولكنه مع ذلك ما فتئ يؤكد على أن إيران نووية "أمر غير مقبول". غير أنه حين يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن مواقف بايدن تتسم بالثبات في دعمها المنحاز لمعسكر التشدد هناك؛ فهو يلوم الفلسطينيين ويبرئ الإسرائيليين من المسؤولية عن أية أعمال عنف. كما ساهم في رعاية قانون محاربة الإرهاب الفلسطيني لعام 2006، الذي حظر كل مساعدات أميركية إلى السلطة الفلسطينية بعد أن جلبت انتخابات ديمقراطية حركة "حماس" إلى السلطة. ومعلوم أن إدارة بوش دعمت بقوة حرب إسرائيل في 2006 ضد لبنان وذلك على رغم التنديد الدولي الكبير بقيام إسرائيل بقصف أهداف مدنية وتدمير البنى التحتية اللبنانية. ولعل أبرز ما قامت به إدارة بوش في هذا الصدد عرقلتها للجهود الرامية للتوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة من أجل منح إسرائيل مزيداً من الوقت لتحقيق أهداف حربها. ومع ذلك، انتقد السيناتور جو بايدن إدارة بوش لأنها لم تقدم، في نظره، دعماً أقوى لإسرائيل، ووصف الحرب بأنها "عمل مشروع للدفاع عن النفس". ولا شيء يوضح تعاطف بايدن الأعمى مع إسرائيل أكثر مما صرح به لقناة "شالوم تي في" الإسرائيلية حين ردد: "أنا صهيوني". ولنتخيل هنا الزوبعة والتنديد اللذين كانا سيحدثان لو أن مرشحاً لمنصب نائب الرئيس قال: "أنا قومي فلسطيني". الأكيد أن مستقبله السياسي كان سينتهي فوراً. غير أنه إذا كان السيناتور بايدن يمتلك تجربة كبيرة وحكمة قليلة بخصوص الشرق الأوسط، فإن المرشحة "الجمهورية" لمنصب نائب الرئيس حاكمة ألاسكا سارة بالين تفتقر إلى كليهما معاً، على ما يبدو. ذلك أنها قبل أن تصبح حاكمة لألاسكا، كانت عمدة مدينة صغيرة لا علاقة لها بموضوعات السياسة الخارجية. وإذا كان ماكين حين اختارها وقع في فخ "اختيار غير مسؤول"، مثلما كتب محررو "نيويورك تايمز" (4 أكتوبر 2008)، فليس ذلك لأنها قد تفيد البلد، وإنما لأنها قد تفيده هو كشخص -استمالة اليمين المحافظ المسيحي والنساء المستاءات اللاتي كن يدعمن هيلاري كلينتون. وتتميز بالين فوق ذلك بتهور وطيش يجعلانها تتلفظ بأشياء يصعب تصديقها؛ حيث قالت، على سبيل المثال، إن انخراطها مع قطاع النفط في ألاسكا منحها تجربة في مجال الأمن القومي لأن "الطاقة هي أساس الأمن القومي". وقد قدم حوار أجراه معها تشارلز جيبسون من قناة "إم بي سي" صورة أولية عن آرائها ومواقفها بخصوص السياسة الخارجية، ولكنها آراء لم تكن تبعث على الارتياح، في مجملها وتفاصيلها. فبخصوص الهجمات الأميركية الأخيرة في باكستان مثلاً، لا ترى بالين غضاضة في عبور القوات الأميركية الحدود إلى داخل باكستان بدون موافقة الحكومة الباكستانية. على أن الأكثر إثارة للقلق بخصوص "تصورها" للأمن القومي والسياسة الخارجية جاء حين سألها محاورها حول ما إن كانت تؤيد انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى "الناتو". أجابت بالين بدون تردد قائلة: "حتماً". وبعد ذلك، أشار المحاور إلى أن موقفاً مثل هذا ينطوي على إمكانية ذهاب الولايات المتحدة إلى حرب مع روسيا في حال تعرض أي منهما لغزو من قبل روسيا. فما كان من بالين إلا أن قالت: "ربما الأمر كذلك". والواقع أن آراء ومواقف بالين بخصوص السياسة الخارجية والشرق الأوسط تبسيطية مثلما أنها خطيرة، وتقوم على الجهل المركب، ويتأسس بعضها على دينية سطحية. فقد قالت بالين مثلاً إنها تعتقد أن الغزو الأميركي للعراق كان "مهمة إلهية"، وهو تصريح يذكر بتوصيف جورج بوش لغزو العراق باعتباره "حملة صليبية". كما أفادت صحيفة "واشنطن تايمز" بأن "بالين تعلق علَماً إسرائيلياً في مكتبها بمقر حاكم الولاية على رغم أنه لم يسبق لها أن زارت ذلك البلد أبداً. كما أنها ترتاد الكنائس الإنجيلية البروتستانتية التي تعتبر حماية إسرائيل واجباً دينياً (4 سبتمبر 2008) ولهذه الكنائس علاقات بمنظمات تحمل رؤى دينية حول نهاية العالم، مثل منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل". إنها صورة تبعث على الذهول، صورة تحمل ملامح شيء مألوف يتسم بالمفارقات والانحياز الأعمى: مرشح لمنصب نائب الرئيس يصف نفسه بالصهيوني، وأخرى تعتقد أن حرب العراق كانت أمراً إلهياً ومستعدة للذهاب إلى حرب مع روسيا ولديها علم إسرئيل في مكتبها.