الإنسان السوي يضبط إيقاعه بنفسه، فهو ضابط برتبة جنرال لإيقاع حياته في بيته وعمله ومع مجتمعه ووطنه، يبادر بنفسه إلى أداء ما عليه أولاً بأول. لكن غير السوي يحتاج إلى عصا القانون لضبط إيقاعه، لأنه هارب من المسؤولية، ولا بد أن يلاحقه القانون ويقتص منه لحقوق الآخرين التي هضمها، حتى لو كان "الآخرون" فلذات كبده. مسودة قانون الطفل الجديد التي كشفت وزيرة الشؤون الاجتماعية بعض ما فيها، تبشّر بالخير، وجاءت في وقتها، أو بالأحرى، جاءت متأخرة قليلاً، بعد أن تسبب غير الأسوياء من الآباء والأمهات في تدمير مستقبل أبنائهم، وبالتالي نكبة المجتمع بأشخاص غير أسوياء تُرك لوالديهم الخيط والمخيط بحجة أنهم أدرى بشؤون أبنائهم، وأحنّ عليهم من غيرهم. وهذا صحيح بالنسبة للوالدين السويين، وقد يكون مقبولاً تركهم لوالدين غير سويين إذا كانوا يعيشون جميعاً في أحد الكهوف بعيداً عن المجتمع! وفي كل الأحوال، فإن الطفل ليس ملكاً لوالديه، وإنما هو إنسان له كرامته وشخصيته ومستقبله، ومن حقه على من لم يجبرهما على إنجابه، أن يقوما بكل ما في وسعهما من أجل رعايته وتربيته وتجهيزه ليكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه. وإذا كانت القوانين الغربية المتشددة في هذا الصدد قاسية بعض الشيء، وضررها على الطفل ربما لا يقل عن نفعها، حيث تأخذه من والديه إذا ثبت تقصيرهما تجاهه أو الإساءة إليه أو حرمانه من التمتع بطفولته، فإنه في المقابل، من غير المقبول الجلوس متفرجين ومكتوفي الأيدي أمام حالات الإساءة للأطفال وإهمالهم من قبل والديهم، ثم تورّط المجتمع بهم. القانون الجديد يمد مظلة حمايته لكل طفل لم يتجاوز سن الثامنة عشرة، أياً تكن جنسيته، ويتضمن وجود قاض متخصص في نظر قضاياهم، وينشئ أقساماً لحمايتهم، يعمل فيها مرشدو حماية الطفولة، مهمتهم مراقبة الأسر المعروفة بإساءتها للأطفال، ومتابعة الأطفال في أماكنهم، ومساعدة الأسر التي تنجب ثلاثة توائم، وغيرها من مواد ستحمي الطفولة وستعمل جنباً إلى جنب مع مؤسسات الطفولة الموجودة ومع جمعية نفع عام مختصة بالأطفال، ستبدأ العمل في بداية العام القادم، تهتم بالطفل نفسياً واجتماعياً وثقافياً، مع وجود أخصائيين اجتماعيين وخط ساخن لاستقبال مشكلات الأطفال. قانون الطفل الجديد، سيحمي العشرات من الأطفال ممن امتلأت الصحف بحكاياتهم الغريبة، كالأطفال الذين يُحرمون من التعليم، أو الذين يُستغلون في أعمال لا تناسب أعمارهم، أو في أمور مشينة، أو يُتركون مثل القطيع السائب ليرعوا في الشوارع، أو في أيدي بعض أقسى الخدم، أو الذين يُتركون بلا رعاية أو اهتمام ليواجهوا مصيرهم بمفردهم، أو الذين يحصلون على حاجاتهم الأساسية بالتقطير ويضطرون إلى سؤال الناس إلحافاً، أو الذين تمنع عنهم أبسط مباهج الطفولة، أو الذين يتعرضون للضرب العنيف والأذى الجسدي الذي يترك آثاراً أو يسبب إعاقات نفسية وجسدية.. وتكون النتيجة ابتلاء المجتمع بهم مستقبلاً، واستمرار دورة حياة غير الأسوياء.