نشرت إحدى الصحف المحلية، أمس، تحقيقاً صحفياً حول ظاهرة الدروس الخصوصية، لتذكّر الجميع بأن هذه الظاهرة السلبية في نظامنا التعليمي لم تزل قائمة، وتواصل وجودها برغم كل محاولات القضاء عليها، والتصدي لها، سواء عبر الآليات الإدارية، أو من خلال تطوير أنظمة الامتحانات والتقويم، التي أخفقت -حتى الآن ـ في القضاء عليها. الأمر اللافت الذي أشار إليه التحقيق المذكور، هو دخول شرائح جديدة إلى "بورصة" الدروس الخصوصية، وتحوّل المسألة إلى مجال للكسب من جانب غير المتخصصين، بل الطلبة الجامعيين، كما تقول الصحيفة، ناهيك عن القادمين بتأشيرات زيارة، وغيرهم. والمؤكّد أن تحول "التعليم" إلى مجرد باب للارتزاق أو تحسين الدخل، سواء لدى شريحة من غير المتخصصين، أو القادمين بتأشيرات زيارة، أو "ربات البيوت" غير المؤهلات، مسألة بالغة الخطورة على صعيد هدر المال والوقت، باعتبار أن من الصعب توقع نجاح أي هاوٍ في أداء مهمة تربوية تتطلب مهارات معينة وقدراً كبيراً من الخبرة والتخصصية، فضلاً عن تآكل المردود النوعي الحقيقي للتعليم، مع ما يعنيه ذلك من ضياع للجهود الرامية إلى تطوير التعليم ونشوء جبهات مناوئة لخطط التطوير، داخل المدارس وخارجها، حيث ترتبط مصالح هذه الفئة باستمرارية النظام التعليمي القائم، بغض النظر عن سلبياته ومساوئه، ما يدفع هذه الشريحة من أصحاب المصالح باتجاه تكريس طرق تدريس المناهج، وآلياته، بغض النظر عن أي تطوير يطرأ عليها. الشواهد تؤكد أننا لا نحتاج إلى تشريع قانوني جديد لمواجهة تمدد ظاهرة الدروس الخصوصية، باعتبار أن القانون يحظر على أي موظف عام أن يؤدي أي أعمال أخرى في أثناء فترة عمله أو خارجها، إلا بإذن من الوزير المختص. الواقع يؤكد أن هناك خروقاً، غير معلومة بدقة، لهذا الحظر، من جانب شريحة من مدرسي المدارس الحكومية، وهناك بموازاة ذلك ممارسات واضحة لمدرسي المدارس الخاصة على نطاق أوسع بمراحل، وهناك أيضاً من يحسبون أنفسهم على فئة المدرسين والمدرسات، ويمارسون المهنة عن طريق إعطاء الدروس الخصوصية، وهؤلاء إعلاناتهم تملأ الصحف المجانية والإنترنت والحوائط، ولا يحتاجون إلى جهد للتعرف إلى حجم وجودهم في المجتمع. الدروس الخصوصية تفرز آثاراً تربوية مدمرة للنظام التعليمي، والجميع يدرك أبعاد هذه الظاهرة وأخطارها، ولا داعي إلى الخوض في ذلك، واجترار هذا الحديث، ولكن الخطورة الآنية تكمن في وجود شريحة من المدرسين الخصوصيين يمتلكون تحديد مصائر كثير من الطلاب والطالبات في المدارس الخاصة من خلال نظام التقويم في الصف الثاني عشر، وهذه الشريحة لا تؤثر، سلباً وإيجاباً، في مستقبل طلابها فقط، ولكنها أيضاً تخلّ بأسس النظام التعليمي ككل، بحكم تلاعبها بمبدأ تكافؤ الفرص بين طلاب المدارس الخاصة والحكومية! الحديث عن القلق من تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية، حديث موسمي متكرر، ويتطلب علاجاً جذرياً يبدأ بإلغاء الظروف والبيئة التعليمية والمجتمعية المواتية التي تسمح باستمرار هذه الظاهرة وامتدادها من عام دراسي إلى آخر، والموضوعية تقتضي أن جزءاً من هذه الظروف قد تمت معالجته بشكل جدي على الصعيد الرسمي، من خلال تحسين مستوى دخل مدرّسي القطاع الحكومي، ورفع رواتبهم، وغير ذلك من إجراءات إيجابية تمت خلال العام الماضي، ولكن تبقى شريحة مدرسي القطاع الخاص، والمناهج وآليات التقويم الشامل، التي لم تزل بحاجة إلى مزيد من التعديل والتطوير، كي تؤدي الدور المنشود من دون أن تتحول إلى أداة يتم توظيفها للإخلال بالعملية التعليمية من الأساس، وهناك أيضاً الامتحانات التي لم تزل شبحاً يثير رعب الطلاب والطالبات، ويدفعهم إلى الاستعداد لملاقاته بالطرق كافة، ومنها بالطبع الدروس الخصوصية.