تصريح موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والذي نشرته إحدى الصحف القطرية الأسبوع الماضي، والذي أعرب فيه عن استغرابه للتوقيت الذي تطالب فيه دولة الإمارات استعادة جزرها الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) التي تحتلها إيران، يرتقي إلى مرتبة التشكيك في حقيقة مطالب الحركة في استرجاع أراضي فلسطين المحتلة. وقد تكون هذه التصريحات في جانب آخر منها الدليل القطعي للحركات والجماعات الدينية بأن ولاءاتها للخارج أكبر من أوطانها. ما قاله مسؤول "حماس" ليس أمراً عادياً؛ لأن ما يتبادر إلى الأذهان عند قراءة تصريحاته أن هذه الجماعات لديها استعداد كامل لأن تبيع الأرض مقابل مساعدات مالية تحصل عليها من إيران، وعلى استعداد أن تتنازل عن أراضيها في سبيل مصالحها وربما الدليل الواضح ما تفعله بعض الجماعات في العراق وحتى اليمن، وهي كلها للأسف جماعات لديها ميول دينية أو تدعي ذلك. في التصريح قضيتان، الأولى أن أبا مرزوق تناسى مواقف الدول العربية، وليس الإمارات فقط، في دعم القضية الفلسطينية ولذا لم يقدم لها الثناء بل خص به إيران، والقضية الثانية ندرك نحن في الإمارات أن لـ"حماس" مصالح مع إيران متمثلة في الدعم المالي، وطبيعي أن يكون مثل هذا الموقف منها، لكن ما يشعرنا بالأسى، أن يأتي مسؤول عربي يفترض أنه يدرك تماماً مرارة الاحتلال ويقاومه، ثم يحدث شرخاً في إجماع عربي وعالمي يفرق بين احتلال وآخر، معتبراً أن هناك احتلالا سيئا ويجب مقاومته واحتلالا جيدا لابد من اختيار الوقت المناسب للتخلص منه. في الواقع أن المرء يجد صعوبة كبيرة في إقناع نفسه بجدوى المواقف الوطنية لهذه الجماعات التي تختار التحول إلى مدافع عن السياسات الإيرانية تحديداً ضد دولها وضد نهجها السياسي قبل دولة الإمارات والدول العربية، لأنه لا فرق بين احتلال إيران وبين إسرائيل التي تحتل بعضاً من الأراضي العربية، فكلاهما دولتان تحتلان أراضي لدول عربية، كما أن القرار الذي اتخذه فيما يخص تبرئة محتل هو "الخطأ" بعينه باعتبار أن أبا مرزوق يطرح نفسه مقاوماً لدولة تحتل أرضه ويبحث عن حقه، في حين أنه يرفض ذلك من دولة أخرى ويعتبره أمراً مستغرباً! وتتضاءل تلك الصعوبة أمام أي تقييم موضوعي للمراقبين لسلوكيات الجماعات الدينية ومن خلال الكثير من مواقفها في قضايا أوطانها وبلدانها، فهي الأوراق الاستراتيجية التي تتلاعب بها إيران وهي الأوراق التي تستخدمها ضد مصالح الدول حتى وإن كان هناك اختلاف في المذهب باعتبار أن "حماس" سنية وإيران دولة شيعية، وهذا الأمر لا يحتاج إلى ذكاء وهو أنه سواء كانت إيران أو تلك الجماعات هي جماعات سياسية قبل أن تكون دينية والدين ما هو سوى "مطية" لتحقيق الأهداف. هذا الموقف "الحماسي" لا يختلف كثيراً مع باقي الحركات الدينية في علاقاتها مع دولها، بل إن موقف أبي مرزوق ساعد على كشف وفهم اللغز لكثير من المواقف أمام بعض من لا يريدون فهم حقيقة نضال الحركات الدينية في الدول العربية وحقيقة دورها الاجتماعي. ولعلم أبي مرزوق فإن إيران دولة براغماتية وليست كما يعتقدها هو وغيره دولة دينية، فهي ليست على خلاف كامل مع إعدائه وربما تكشف له الأيام عن تقارب بينهما والدليل ما حصل في أفغانستان والعراق، فهي ليست على خلاف مع الولايات المتحدة وإلا لم تخدمها في إسقاط نظامي "طالبان" وصدام حسين! توافق "حماس" مع إيران ضد كل المصالح والسياسات العربية ليس مقصورا عليها وحدها، لكننا نلمس مثل هذا التوافق بين إيران وباقي الجماعات الدينية في الدول العربية، رغم أن إيران أكدت في كل مرة أنها ليست دولة دينية بقدر ما أنها تستخدم الدين خدمة لمصالحها، وهذا لا يعيبها بقدر ما يعيب الحركات التي تواليها بل إنه من سخرية الصدف وعجائب الزمن أن تقف الحركات التي تقاوم الاستعمار مع دولة تستعمر أراضي الغير وتطالب صاحب الحق بعدم المطالبة بأراضيه في حين هو يستعين بالخارج في مطالبه.