الموضوع لا يتصل بخصخصة التعليم المعروف لدى جميع الناس حيث تقسيم نوعية التعليم إلى مدارس عامة ومدارس خاصة، قدر اتصاله بالدعوة إلى خصخصة العلم داخل المدارس العامة، إذ لا خلاف على كفاءة التعليم الأجنبي الخاص، في مقابل عدم كفاءة التعليم العام لأسباب يعلمها الجميع وما من داعٍ لتكرارها. والمقصود بخصخصة العلم هو أن يتم التركيز في المدارس الحكومية على المواد العلمية على حساب المواد الأدبية والاجتماعية والدينية، وما من عاقل ينكر حقيقة أن المواد الأدبية لا فائدة علمية تُذكر من وراء تدريسها، وهذا يتطلب شجاعة الاعتراف بهذه الحقيقة. فالطالب العربي اليوم في المدارس الحكومية تنقصه المهارات اللغوية سواء العربية والإنجليزية، فضلاً عن الضعف العلمي العام بالمواد العلمية والرياضيات، فضلاً عن إتخام الجدول الدراسي ببعض المواد الدينية والاجتماعيات، بل وليس سراً أن الطالب العربي لا يحصل على الزاد الفلسفي اللازم للتفكير المنطقي السليم، بل وهناك دعوات مشبوهة من الجماعات الدينية لتحريم تدريس الفلسفة في المدارس الحكومية. ولا يختلف اثنان على أن الطالب العربي يخرج إلى سوق العمل وهو لا يكاد يملك أي مقومات لغوية أو علمية، مما يجعل خريجي الجامعات العربية لا يصلحون لسوى الوظيفة المكتبية الحكومية. والعالم العربي اليوم مُتخم بالبطالة المقنعة إلى جانب البطالة السافرة. الحل الوحيد للخروج من هذه الحلقة المفرغة هو بخصخصة العلوم من خلال التركيز في التدريس على العلوم والرياضيات واللغات، والتقليل قدر الإمكان من المواد الدينية والأدبية. ولنكن صريحين في مواجهة أنفسنا. فمن أوجب واجبات الدولة تأهيل الطالب لسوق العمل بدءاً من المرحلة المتوسطة، فالمرحلة الثانوية وصولاً إلى الجامعة، وذلك بالقيام بعملية فرز لعقليات وتوجهات الطلبة. فمن يجد رغبته في دراسة العلوم والرياضيات والحاسوب مثلاً، يتم تدريسه هذه العلوم بأكبر قدر ممكن، وكذلك الأمر مع من يجد رغبته في العلوم الأدبية، وحيث إن الدولة توفر المعاهد الدينية وكلية الشريعة فإن من يرغب بالدراسة الدينية فعليه الالتحاق بهذه المعاهد. وحيث إن هذه المعاهد لا تقدم سوى أقل القليل من العلوم التطبيقية بسبب ضعف مستواهم العلمي، فمن الإنصاف التخفيف قدر الإمكان على طلبة العلوم العلمية والأدبية من المواد الدينية، إذ تكفي حصة واحدة أسبوعياً للمادة الدينية التي يجب أن تكون ذات صلة بالواقع الإنساني مثل موضوعات التراحم الإنساني والتسامح والمفاهيم الإنسانية بشكل عام. كذلك يجب التخفيف قدر الإمكان من المواد الأدبية بالنسبة لطالب العلوم التطبيقية. ولكن على الجميع دراسة اللغة الإنجليزية والحاسوب بشكل مكثف نظراً لحاجة سوق العمل لهذين العلمين لكل من يريد العمل في القطاع الخاص. ولا مشاحة في الحق في أن العلوم التطبيقية واللغة الإنجليزية والحاسوب أفضل من الموضوعات الأدبية، كما لابد من الاعتراف بأن السوق لا تحتاج إلى اللغة العربية إلا في الحدود الدنيا، والمتخصص في اللغة العربية لا يصلح لأي عمل سوى التدريس. ونظراً لكثرة تدفق الطلبة على المدارس بسبب الآباء الذين ينجبون بأكثر مما هو مطلوب لإقامة دولة سليمة ديمرغرافياً، فإنه من الطبيعي أن تزداد نسبة التسرب من المدارس خاصة في المرحلة الثانوية، وبسبب ضعف المخرجات العلمية للمرحلة الثانوية تزداد نسبة التسرب من الكليات العلمية إلى الأدبية، بل إن العملية أقرب ما تكون من الخرير وليس مجرد تسرب. لقد حان الوقت لخصخصة العلم في المدارس الحكومية، والقيام بعملية "فصل" العقول العلمية عن العقول الأدبية.