في الأسبوع الماضي نُظمت مباراة كروية ودية بين منتخبي فرنسا وتونس، وكانت المفاجأة أنه عندما بدأ عزف النشيد الوطني لفرنسا بدأت الأصوات المنددة والرافضة للصوت الفرنسي وعلمه بالعلو لدرجة أن الجمهور غلب عليه الاستهجان من الإنصات لعزف النشيد الوطني الفرنسي! لم يقف الأمر عند هذا الحد، لأن الرئيس الفرنسي أصيب بالتعجب والاستغراب من ردة الفعل التي أبداها هؤلاء الذين احتضنتهم فرنسا وأعطتهم جنسيتها، واحتوت فقرهم وحاجتهم وعوّضتهم عن ذل أوطانهم وتعبها! كيف يتأتّى الولاء؟ وكيف بالإمكان أن يُغرس في نفوس الذين عاشوا على تراب فرنسا وتعلموا من تعليمها وعوملوا كأنهم من أهلها مهما كانت أشكال الوظائف التي يشغلونها، لأنهم في النهاية هم من اختار فرنسا لتكون وطناَ آخر لهم. هذا الأمر ينسحب علينا أيضاً حين يبدو الأمر، وكأن الولاء مسألة شائكة وليست بتلك السهولة، التي تبدو لنا حين يتزاحم البشر أمام بوابات طلب الجنسية. فدول البترول كما يعرفها العالم، مصدر إغراء لكثيرين حين تكون الحياة سهلة وبسيطة وخالية من التعقيدات، والشعوب مسالمة وطيبة، ومحتضنة للغريب، وفرص العمل متاحة بشكل يشجع ويحفز من لم يحصل على فرصة الحياة الكريمة في بلاده. فكثير من الأصوات تنادي بإعطاء الجنسية لكل من عاش على هذه الأرض لأكثر من خمسة عشر عاماً أو أقل، لكن ما يطرح نفسه من تساؤلات هو: هل إذا حصل هذا الآخر على الجنسية سنضمن ولاءه لنا؟ هل نضمن أن يحترم علم البلاد ونشيدها ويقدِّر حتى عيوبها وأخطاءها؟! فالولاء إرث تورثه الأجيال، وهو حق الوطن على مواطنيه، ولكن أي وطن؟ وأي مواطن؟! ناهيك عن أصحاب اللغات الأخرى والديانات الأخرى الذين لا يمتون الى المكان بصلة أو بشكل أو عقيدة. فإذا كانت فرنسا فشلت في تجذير الاحترام والتقدير لنشيدها وعلمها الوطني لدى آخرين كانت بالنسبة لهم الملاذ والمأوى، فكيف ستنجح دول أخرى في التعامل مع هذه الإشكالية، خاصة وأن الطامحين في الحصول على جنسيتها ربما يرغبون في الحصول على مزيد من التنازلات في سبل الحياة لا تُقارن بتلك التي في وطنهم الأصلي. فالمحك هنا محك مهم وأمني وينبغي أن يكون هو المعيار الأول في تقييم من يستحق الحصول على الجنسية أو حتى الإقامة الدائمة. فالولاء أمر لا يختلف عليه اثنان لدول مستهدفة من دول محيطة بها وتعتبرها دولا بلا تحصينات منيعة وسهلة السيطرة والانقياد. مباراة فرنسا وتونس تعلن أن الولاء أولاً والولاء أخيراً هو ما يجب أن يكون السبب الوحيد والحق الأقوى في الحصول على مواطنة من أي درجة كانت أو ستكون.