أكثر ما يبشر بالخير، ويدعو إلى التفاؤل بأن النظام التعليمي في دولة الإمارات عموماً، وإمارة أبوظبي، على وجه الخصوص، مقبل على نقلة نوعية بدأت إرهاصاتها ومؤشراتها بالفعل تطفو على السطح خلال الآونة الأخيرة، أن هناك إرادة سياسية قوية تدعم خطوات إصلاح النظام التعليمي، وتساند عملية إعادة الهيكلة التي يشهدها هذا القطاع الحيوي. هذه الإرادة القوية الداعمة لإصلاح التعليم، تجلّت في العديد من مواقف وتصريحات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، ولعل استقبال سموه مؤخراً وفد مجموعات العمل المكلفة بوضع سياسة جديدة لنظام التعليم في إمارة أبوظبي، هذا اللقاء وما شهده من تصريحات، إنما تعد بمنزلة مؤشر إضافي إلى تجذُّر إرادة إصلاح التعليم، حيث أكد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال اللقاء، أن "قيادة وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على استعداد تام لتوفير كل الموارد اللازمة، واتخاذ القرارات المناسبة لمصلحة تأسيس نظام تعليمي متميز وعالي الجودة باعتباره يمثل استثماراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى المستقبل". الجودة والتميز هما شعار مجموعات العمل التي تخطط لتطوير التعليم في إمارة أبوظبي، بتكليف من مجلس أبوظبي للتعليم، وهذان الشعاران يتكاملان مع النهج نفسه الذي تمضي عليه تجربتنا التنموية في مختلف مجالاتها وقطاعاتها، في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله". تطوير التعليم في أبوظبي لا يقتصر على مسايرة بقية نواحي التطوير الجارية في الإمارة، التي تشهد في الآونة الراهنة طفرة هائلة في مجالات عدة، أبرزها الثقافة والفنون والصناعة والسياحة، وغير ذلك من الأنشطة والأعمال، بل يطول أيضاً التخطيط لإدارة المستقبل في مختلف قطاعاته وجوانبه، باعتبار أن التعليم هو قاطرة التنمية الحقيقية، وهو الضامن الأساسي لاستدامتها وتطورها ومواكبتها لكل ما يفرزه العصر من تحديات متجددة، على الصُّعد كافة. ولعل من الأمور اللافتة في تجربة تطوير التعليم في أبوظبي، أن هناك إدراكاً واضحاً لأهمية بناء "النموذج"، وتحقيق التميز والتفوق والريادة في هذا الميدان من دون الافتئات على الهوية الوطنية والتراث وعناصر الثقافة المحلية وأسسها ومبادئها، بل إن مخططي التعليم أكدوا التزامهم الكامل بهذه الركائز والعناصر، وهذا الالتزام من الأمور الإيجابية، ليس فقط لدحض أي مخاوف بشأن جدلية التطوير والتغيير، وما يمكن أن تفرزه من إحداثيات تتنافر مع ثوابتنا الوطنية والثقافية، بل لأن هذا الالتزام يعني دمج هويتنا الوطنية وثقافتنا المحلية ومقوماتها بمجمل خطط التطوير، ومراعاة ذلك في مختلف أوجه هذه الخطط، وهذا في حد ذاته ينطوي على مردود إيجابي بالنسبة إلى الأجيال الجديدة، بما يتوقع أن يفرزه من فرص تفتح أبواب العلم والتقدم من جهة، وتحافظ على الذات الوطنية من جهة ثانية. إن تطوير التعليم مع الالتزام الكامل بالثقافة المحلية والتراث والهوية الوطنية، يعني بالتبعية زوال أي مخاوف قد يثيرها البعض في مواجهة أي نقاش ينصب حول فكرة التطوير، ويفتح الباب واسعاً أمام دور أكثر فاعلية للتعليم كي يلعب الدور المنوط به، ليس فقط على صعيد رفد التنمية الوطنية بمخرجات نوعية مؤهلة قادرة على منافسة العمالة التخصصية الوافدة، على المديين القريب والبعيد، ولكن أيضاً لأن هذا الالتزام يعني ضرورة انخراط جميع شرائح المجتمع في دعم هدف تطوير التعليم، ومساندته. إن دولة الإمارات التي تشهد تحولات اقتصادية وثقافية متسارعة، بحاجة إلى نموذج تعليمي متطور، قادر على التفاعل مع الآخر انطلاقاً من قاعدة قيمية راسخة، وهذا النموذج بات قريب المنال في ظل توافر الإرادة السياسية الداعمة والنظرة المستقبلية الاستشرافية الواعية نحو المستقبل. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية