لقد كان مجرد حدث عرَضي في حملة انتخابية طويلة ومرهقة، ولكنه يقول الكثير عن موضوع ظل تأثيره يرشح ببطء منذ أن بدأت هذه الحملة. في 10 أكتوبر الماضي، في "ليك ويف مينيابوليس" وفي لقاء صاخب استضافه المرشح الجمهوري "جون ماكين"، أُعطي الميكرفون لأحد أنصاره وهي امرأة تدعى "جايلي كوينيل" كي تلقي كلمة. تقدمت المرأة وبكلمات متلعثمة قالت: "أنا لا أثق في أوباما. فقد قرأت ذات مرة أنه عربي"، فما كان من ماكين الذي بدا على وجهه الانزعاج، إلا أن سارع لإنقاذ الموقف وأخذ الميكروفون منها قائلاً: "لا.. لا.. لا.. يا سيدتي. إن أوباما رب عائلة محترم، ومواطن صالح وقد شاءت الظروف أن نختلف سويّاً حول أمور أساسية لأن هذا هو جوهر الحملة الانتخابية الحالية. ولكن الأمر ليس كما قلتِ... أشكرك يا سيدتي". لقد كانت تلك لحظة مقلقة لعدة أسباب منها أنه على مدى عامين الآن كانت المنشورات التي يتم تداولها، والرسائل الإلكترونية التي يتم إرسالها، تقول ليس فقط إن أوباما مسلم، وإنما كانت تقول شيئاً آخر ينذر بالشر مثل اتهامه بأنه "مسلم سري" مزروع في وسطنا كي يخرب ديمقراطيتنا من الداخل. وعلى رغم أن ذلك الاتهام قد بدا غاية في الغرابة، إلا أن ذلك لم يَحُلْ دون انتشار اتهامات أخرى في صورة تساؤلات حول مكان ولادة أوباما، ومعتقداته، وعلاقاته، وكلها تساؤلات كانت تومئ من طرف خفي إلى أننا لا نعرف من هو، ولا ما الذي يمثله، أو سيفعله من أجل صالح الولايات المتحدة الأميركية؟ لقد غذى خصوم أوباما، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، والآن خصومه من الجمهوريين، وعلى نحو أكثر فظاظة وخشونة، تلك المحاولات الرامية لتشويه سمعته. ففي البداية كنا نسمع عبارات من قبيل: "إنه ليس مثلنا" أو أننا "لا نعرف من هو" أو "أنه لا يؤمن بأميركا التي نؤمن نحن بها". أما الآن فقد بتنا نسمع عبارات من قبيل "إنه كذاب"، أو "إنه يقيم علاقات صداقة مع الإرهابيين" أو كما لا يزال المذيع اليميني"رش ليمباو" يصر على القول: "إنه عربي بالتأكيد". وحتى الأسبوع الماضي ظل مكتب الحزب الجمهوري في فرجينيا يرسل رسالة إليكترونية جماعية مرفق بها صورة لعيني باراك أوباما ومكتوب تحتها شعار يقول: "أميركا يجب أن تنظر للشر في عينيه دون تردد". في نفس الوقت أرسل الحزب الجمهوري فرع نورث كارولينا مكالمة هاتفية إليكترونية لهواتف منازل أنصار الحزب تربط الديمقراطيين بالإرهابيين. كما تضمنت صحيفة رئيسية تصدر في واشنطن وتنطق باسم المحافظين مقالة تحت عنوان "اقتراع المجاهدين" تضمنت ادعاءات منها "إن الإسلاميين يسعون إلى تدمير الحضارة الغربية من الداخل باستخدام حملة أوباما الانتخابية كأداة لذلك". لقد كان من الطبيعي أن أرد على تلك الادعاءات وقد اخترت لذلك موقع "هافينجتون بوست" الذي يعتبر من أشهر مواقع المدونات في أميركا حيث كتبت رداً تفنيدياً تحت عنوان "سيدي جون ماكين أنا عربي ورب عائلة محترم" قلت فيه "لقد طفح الكيل! وعلى رغم أننا سعداء بأنك تحاول من آن لآخر تبديد الإشاعات التي يحاول البعض ترويجها عن باراك أوباما، إلا أننا نجد أنه من الضروري علينا أن نؤكد أن العرب الأميركيين هم أيضا محترمون سواء كانوا رجالًا أو نساء، وأنهم يتمتعون بكامل حقوق المواطَنة المنصوص عليها في الدستور، وأنهم جزء لا يتجزأ من البوتقة العظيمة التي تعد مصدر قوة هذه الأمة... إننا نربي أبناءنا وبناتنا كي يكونوا رجالاً ونساء صالحين في هذه الأمة... ونخدم هذه الأمة بشرف. أما محاولة التلميح بأن هناك مجموعة عرقية معينة خائنة ومعادية للأميركيين فهو أمر غير مقبول وخطير وغير لائق".