العالم اليوم يموج بأزمات متلاطمة لا يكاد يخرج من واحدة حتى تتلقفه الثانية، وبعضها يردف بعضاً كما يقال، فمن أزمة المناخ والاحتباس الحراري إلى أزمة الطاقة وندرة المخزون منها وارتفاع تكاليف إنتاجها، إلى المحاصيل الغذائية الأساسية وطرق توفيرها في ظل المجاعات التي تهدد الكون، وأخيراً -وليس آخراً- أزمة الاقتصاد التي يمر بها العالم اليوم، والتي جاءت كنتاج طبيعي للسوق العالمي الذي تمحور حول الاقتصاد الأميركي والذي كان يعتقد أنه الأقوى في العالم والأثبت أمام التحديات، لكن المال جبان ولا يعرف الاستقرار، والسوق العالمي متحرك ولن يثبت. مشكلة الاقتصاد والأزمة المالية المرتبطة به سيعاني منها البشر شئنا أم أبينا. وإذا كنا في الإمارات العربية المتحدة تمكنا، ولله الحمد والمنة، من التعامل مع الأزمة بعدد من القرارات التي اتخذتها قيادتنا الحكيمة، فإن الأمر في تصوري أعطانا فرصة للسؤال والتساؤل عن المستقبل. المستقبل يعني مستقبل الوطن والأجيال التي من حقها أن تعيش في أمن وأمان كما عشنا نحن جيل الاتحاد ونعمنا بما منّ الله به علينا من خير في هذا الوطن، ولست هنا بصدد تعداد الخيرات التي نحن فيها، لكن الإمارات، ولله الحمد، أصبحت حلماً يتمنى الكل العيش فيها، وكي تستمر دولتنا على هذا الخير لزم علينا أن نحول هذه الأزمات التي تحدث إلى منطلقات للتفكير. في دول العالم المتقدم توجد مراكز رصد للأمور والمتغيرات التي تجري من حولها، سواء ما كان منها اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً، هذه المراكز تعمل بها أفضل العقول، كي تفكر بحرية وتستشرف مستقبل البشرية، فلا يوجد مفكر يستطيع أن ينظر بروح المستقبل دون ثلاث أدوات أساسية؛ أولها الحرية في التفكير والتعبير، وثانيتها المعلومات الأساسية للتنظير، وثالثتها تخصص يجعل هذا الفرد قديراً على أن يفكر ويعبر ويبدي وجهة النظر الأساسية، نحن في دولة الإمارات اليوم نعد أنفسنا من الدول التي ارتقت سلم الحضارة بكل جدارة، لكن أمامنا تحديات آن لنا أن نتفاكر حولها. هناك فرق كبير بين برامج إعلامية تنقد دون أن تعطي البديل، أو صحف مكتوبة يبدي فيها الإنسان فكرة شخصية حول قضية معقدة، أو رأي يطرحه أحد المخلصين أمام مسؤول في مجلس عام... كل هذا مطلوب، لكنه لا يوصلنا إلى ما نريد من فجر جديد وعيش رغيد، المطلوب أن تكون لنا لجان متخصصة، وأتمنى أن يحتضنها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، لأنه مهيأ لهذا الأمر، هذه اللجان يدعى لها مفكرون من أبناء الوطن ممن تخصصوا في شتى جوانب الحياة، وأعتقد أن وجود أكثر من 150 من حملة الدكتوراه في دولة الإمارات منجم آن لنا أن نستفيد منه. لقد استثمرت الدولة في هذه العقول الشيء الكثير، وواجبهم الوطني يقتضي منهم رد الجميل بأن يكسروا حاجز الصمت ويلبوا نداء الواجب بكل عقلنة، تحت مظلة رسمية كمركز الإمارات، ويتباحثوا في أزمات مرت بغيرنا، وهي ليست بعيدة عن دارنا، وكيف نتجنبها قبل وقوعها، إن وقع (لا قدر الله) ما لا نريد، وما هي ردة الفعل المناسبة...؟ ما هذا إلا كي لا يكون فكرنا في وقت لا يسمح لنا فيه بالتفكير المستقر، وهنا يكون القرار، كما يقال، ليس في الإمكان أفضل مما كان. لايعقل أن تتطرق أجهزة الإعلام المختلفة في الدولة لقضايا معقدة ونقف فقط عند هذا المستوى من الطرح. الحرية الإعلامية أمر محمود ومطلوب في الدول المتقدمة، لكن المجتمعات التي سبقتنا في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لا يحل الإعلام فيها قضية، بل إن جل فكرهم مصدره المراكز المتخصصة، لذلك نجحوا في قيادة الدنيا، ولنا فيهم قدوة حسنة كي نخطوا في طريق المستقبل من حيث انتهى غيرنا.