قد يكون من الأمور غير المعتادة أن نكتب عام 2008 عن النمو الخطر للقرصنة في خليج عدن. كنا نأمل أن نكون قد تركنا وراءنا القرصنة الواسعة النطاق التي كانت سائدة في القرون السابقة، غير أن ذلك لم يحدث حيث نجد أن العالم يمضي للأمام بسرعة فائقة في بعض المجالات، ويتراجع القهقرى إلى عقود أو عصور سابقة في بعضها الآخر. وباعتباري من المهتمين بالشؤون الدولية، فإني كثيراً ما أتساءل: كيف تتسنى لنا معالجة المشكلة الصعبة المتعلقة بكيفية التعامل مع أزمة كهذه بشكل مباشر، ومخطط له، وفعال ومن خلال تعاون دولي؟ هناك في خلفية الصورة، وراء هذه القرصنة الواثقة والمتطورة والمغرية، تكمن المشكلة الصومالية المروعة، التي تزداد تفاقماً على الدوام، والتي تمثل النموذج الأسوأ للدولة الفاشلة في العالم. وليس هناك فرصة للسيطرة على هذه القرصنة، مالم يتم وضع حد للمعاناة الفظيعة التي يكابدها ثمانية ملايين صومالي -الكثيرون منهم فروا من ديارهم ويعيشون الآن في الخارج- ومعالجتها بصورة تامة. وعلى رغم أن هذه المهمة تقع على كاهل مجلس الأمن الدولي، إلا أنني لا أرى أية علامة تدل على أنه سيتم التعامل معها في المستقبل القريب. وإذا لم نتمكن من نشر قوة صلبة، ومجهزة جيداً، من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وإرسالها لدارفور بعد كل تلك السنوات... فهل نعتقد أنه يمكن أن يكون هناك أي أمل لحل مشكلة الصومال! لقد كُتب ما يكفي عن حجم تلك المشكلة ومداها: فحتى هذه اللحظة من عام 2008، وقع ما يزيد عن 60 هجوماً ضد السفن التي كانت تبحر بالقرب من خط الساحل الصومالي. وفي الحادثة التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، وهي تلك الخاصة بشن هجوم على يخت فرنسي، كان يبحر وعلى متنه السيد والسيدة "إيف ديلان" والتي انتهت بعملية كوماندوز فرنسية رائعة ،كان اليخت يبحر على مسافة 300 كم بعيداً عن الساحل الصومالي. وتشير الإحصاءات، أن حوادث القرصنة قد تضاعفت خلال العام الحالي، ما أدى إلى زيادة بمقدار عشرة أضعاف في وثائق التأمين التي سوف ندفع نحن تكلفتها بشكل غير مباشر. ومن المعروف أن عدد السفن التي تبحر في هذه المنطقة يصل إلى 50 ألف سفينة سنويًا، وأن قراصنة اليوم مسلحون بالقذائف، والصواريخ، وبنادق آيه كيه-47، ويمكن لأعمالهم أن تؤدي إلى كارثة بيئية كبيرة إذا ما تعرضت ناقلة نفط عملاقة للتدمير مثلاً. والقراصنة الصوماليون يعملون بالتعاون مع عصابات في اليمن، وهم يعرفون جيداً نوعية السفن التي تمر بالقرب من مياههم الإقليمية، والتي يمكن أن تشكل هدفاً مناسباً للهجوم. ويمكن الصعود على ظهر السفينة التي تتقرر مهاجمتها بواسطة زورق سريع وقوي، في فترة قصيرة للغاية،خصوصاً على ضوء ما يتردد من أن القراصنة قد بدؤوا في استخدام "أجهزة تحديد الموضع عالمياً" المعروفة باسم "جي. بي. إس"، وأنهم يغيرون تكتيكاتهم، ويخططون لشن الهجمات أحياناً من فوق ظهر سفن استولوا عليها بعد أن يدخلوا عليها التمويه اللازم بحيث تبدو كسفينة مسالمة لا تشكل أي خطر. وفي هذا السياق أشارت صحيفة "لويدز ليست" المختصة بشؤون الشحن العالمي، إلى أن إجمالي التعويضات المدفوعة للقراصنة هذا العام يمكن أن يتجاوز50 مليون دولار. ويعتقد أن القراصنة يحتجزون 200 من أفراد أطقم الصحف، و12 سفينة أجنبية، وأن القرصنة تمثل مجالاً واحداً من مجالات الاقتصاد الصومالي القليلة التي تحقق ازدهاراً، وأن الملاذ الآمن للقراصنة يقع في الصومال الشمالي وتحديداً بالقرب من مدينة "إيل" في منطقة "بونت لاند" التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. والعواصم الغربية قلقة من احتمال تحول القراصنة الذين يزدادون قسوة إلى شبكات الإرهاب، خصوصاً على ضوء المعلومات التي توضح أن جزءاً من الأموال التي يتم الحصول عليها كفدية للسفن المختطفة يتم إرساله إلى المليشيات المتطرفة في الصومال، وهو ما يفاقم من حدة الصراعات الدائرة هناك. ويشار إلى أن البرنامج العالمي للغذاء يؤدي منذ فترة دوراً بالغ الأهمية في الصومال التي عانت بشدة في السنوات الأخيرة من سلسلة من مواسم القحط. ويدعي مسؤولو البرنامج أن 3.2 مليون صومالي يعتمدون في الوقت الراهن على مساعدات الغذاء التي يقدمها لهم وأن المدمرات الحربية ترافق السفن التي تنقل تلك المساعدات إلى الصومال. والكنديون بالذات لديهم سجل طيب في هذا الخصوص، بيد أنهم سيسلمون هذه المهمة لدولة أخرى نهاية هذا العام. وخلال الفترة الواقعة مابين 2005 و2007 تم أسر3 سفن تعمل لحساب البرنامج العالمي للغذاء. وتشير الأنباء إلى أن شركات الشحن قد بدأت مؤخراً تفكر في تجنب خليج عدن والالتفاف حول أفريقيا عن طريق رأس الرجاء الصالح. ومرة أخرى سوف نكون نحن الذين ندفع الثمن، حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة السلع والبترول القادم من آسيا والشرق الأوسط. وقد طالبت شركات الشحن باستجابة دولية أكثر فعالية بكثير، حيث كان الفرنسيون فقط هم الذين شنوا هجمات كوماندوز حتى الآن في حين لم تفعل باقي الدول شيئاً مماثلاً. وبعد وقوع الهجمات الفرنسية حذر القراصنة من أنهم سيقومون بقطع رقبة أي أوروبي، وذلك إذا لم يقم الفرنسيون بإطلاق سراح القراصنة الستة الذين قبضوا عليهم وينوون تقديمهم للمحاكمة. وقد اختلفت رؤى الدول المختلفة في علاج هذه المشكلة: فبريطانيا تقول إن القانون البحري يسمح لكل دولة بحماية سفنها وأن ذلك هو ما كانت تفعله هي وفرنسا والولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية. أما ألمانيا التي دفع مالكو سفنها فديات باهظة، فليست مقتنعة بأن التدخل أمر قانوني تماماً. أما الأمم المتحدة فهي وإن كانت تفكر في اتخاذ قرار أكثر صرامة بصدد هذه المشكلة، إلا أنها تدرك في ذات الوقت أن هناك مسائل أعمق بكثير تكتنف هذه المشكلة. وكما هو الحال دائماً في الشؤون الدولية، فإن كل دولة من الدول المعنية تأمل أن تتقدم دولة أخرى لأخذ زمام المبادرة... المشكلة بالنسبة للدول الكبرى هذه المرة هي أن هناك موضوعات أخرى مثل العراق وأفغانستان تصرف أنظارها في الوقت الراهن بعيدا عن هذه المشكلة.