من عام 1929 إلى 2008 لم تمر على أميركا أزمة أخطر من الأزمة المالية الحالية، وهو ما حدا بأوباما إلى استخدام بطاقة انتخابية تحت مسمى "أخطر أزمة"، وقد يكون أحد مؤشرات الفوز بالنسبة له في السباق النهائي مع ماكين وإن كنا نعتقد أن السياسة قلابة ولو في الثواني الأخيرة وإن بفارق 0.1?. خلال الثمانين عاماً وهو الحد الفاصل بين الأزمة المالية الأولى والأخيرة، مرت أميركا بأكثر من أزمة هزت أركانها بعيداً عن صوت المال أو الدولار ولغة الحروب، فقد عانت من ركود علمي وتعليمي استدعى تدخلات سيادية للإفاقة والانتعاش، فالصعود الروسي إلى القمر في الستينيات وكارثة الرياضيات في التعليم في الثمانينيات وإعصار كاترينا وتوابعها التي لم تنتهِ بعد، هذه وغيرها لم تركع أميركا، تجاوزتها وبقيت على رغم هذه الضربات الموجعة من تحت الحزام إلا أنها لم تكن القاضية، لماذا؟ لأن النظام المالي الرأسمالي باستطاعته إعادة تدوير آلياته لاستيلاد الحلول الممكنة لإنقاذ نفسه من الورطات، وكذلك بالتبعية في العالم من حولها. إننا لا نريد أن نقلل من الحجم الكارثي للأزمة المالية العالمية ولا نود أيضاً الطَّرق على وتر اليأس والتثبيط، لأن الملاحظ أن العالم كله صحا وتداعى لاتخاذ كافة الإجراءات التي يمكن من خلالها تخفيف حدة الأزمة ومن ثم الوصول به تدريجياً إلى حيث العودة إلى الدورة الاقتصادية الاعتيادية. نعلم يقيناً أن هناك من يتمنى زوال أميركا من الخريطة وليس إسرائيل فقط إلا أن دورة الحياة الطبيعية وسنن السياسة لا تمضي وفق هكذا أمانٍ لأن نفوس البعض ملأى بأطنان من الكراهية والغيظ والحقد على ممارسات أميركية لم تعجب هذا أو ذاك. إن العالم اليوم يستطيع أن ينقذ نفسه وأميركا معه إذا ما قام باتخاذ الحلول الحكيمة والرشيدة، وهذا ما نتلمسه مذ أن كشرت الأزمة عن أنيابها وفي كل الأزمات الصغيرة منها والضخمة هناك متضررون على كافة المستويات، ولكن العيب أن يبقى البعض متفرجاً وشامتاً إلى أبعد الحدود بحيث يلغي أي نبرة إنسانية من حساباته أو مجرد التفكير بأن الحل بدأ يأخذ مجراه ولو كان بمشرط الجراح. ولقد حدث لغط كبير في ثنايا هذه الأزمة المالية العالمية عندما اعتقد البعض بأن النظام الرأسمالي في طريقه إلى التحول نحو الاشتراكية، وذلك لمجرد أن الدول والحكومات تدخلت أو أخذت بمبدأ التأميم الجزئي في القطاع المصرفي والمالي، مع أنه إجراء طارئ لضرورة الظرف الصعب ولم يتحول النظام الرأسمالي برمته إلى الضفة الأخرى. وفي كثير من الأحيان تستطيع الدول القادرة على تلافي الأزمات الحادة -سواء فيما يتعلق بالأزمة المالية أو غيرها مما تحمله رحم الأيام- من العودة إلى الساحة العالمية أكثر قوة وثقة بالنفس من السابق. وليس أدل على ذلك من الإجراءات الطارئة التي دفعت بكل الدول الرأسمالية منها والاشتراكية للدفع نحو الصعود من جديد، وهو ما كان واضحاً بعد ضخ آلاف المليارات من الدولارات إلى القطاع المالي ولم يمض يوم واحد إلا ومؤشرات بعض الأسهم العالمية المعروفة قد قفزت إلى حاجز 14? بعد أن عانت من الانتكاسة في بعض الدول بنسبة قاربت 15?. إن آفة البعض التسرع في إصدار الأحكام المستعجلة وقت الأزمات وهو ما لا يدع للمعنى مجالاً في التعبير عن ذكر الحقائق التي يمكن من خلالها وضع النقاط على حروف أي أزمة بدل مسحها لتجهيل قراءة الأحداث المستقبلية من بينها. فالتريث جزء مهم لتلافي مبالغات الأزمات المالية وغيرها وإلا كان التفخيم غير المبرر هو سيد الموقف كما وقع فيه بعض المحللين للأزمة الراهنة.