لن تعرف شخصية المتهم بارتكاب جريمة ما إلا بقراءة كل الصحف، لأن كل صحيفة تستر شيئاً منه، فصحيفة تنشر الاسم والإقليم، والثانية تشير إلى الجنسية مع صورة مموهة العين، والثالثة تنشر صورة واضحة مع الحروف الأولى من اسمه. وفي كل الأحوال، فإنك لن تتذكره بعد أيام لأنه فرد عادي. مع ما نُسب لبعض الشخصيات العامة ونجوم المجتمع مؤخراً، نشرت بعض الصحف صورهم بالألوان وبالتفاصيل، حتى بات خروجهم إلى الشارع أمراً ملفتاً للأنظار، وأصبحت فضيحتهم "بجلاجل". بالطبع الازدراء يلحق بعائلاتهم أيضاً. إذا كان المرء بريئاً حتى تثبت إدانته، فكيف يُدان علناً قبل أن تدينه الجهة الوحيدة المخول لها ممارسة هذا الحق؟ صحيح أن النشر لا يعني الإدانة، لكنه في الحقيقة يُدان وتتلطّخ سمعته، وذلك قبل التأكد من تفاصيل الواقعة، وقبل اعتبار تلك الواقعة جريمة، وقبل أن تدينه المحكمة. إدانة القضاء فيها ما يكفي من عقوبات، وما النشر سوى عقوبة إضافية، خصوصاً مع المسؤولين والنجوم، لأنها تدمر حياتهم، فكيف إذا كان النشر قبل الإدانة أصلاً؟ ويكفي أنه دمّر مستقبله بيديه، وستثير تنحيته أو اختفاؤه زوابع الأسئلة من حوله، فلم النشر الذي سيجعله في مواجهة إعصار يقتلعه وأسرته؟ وإن كان لابد من النشر لكذا وكذا، فإنه يمكن فضح الممارسة وليس شخص مرتكبها، على الأقل ليستطيع مواصلة العيش ولو على هامش الحياة من دون أن تلاحقه وأفراد أسرته، نظرات الشماتة إلى الأبد. وإذا كان النشر يهدف إلى ردع غيره، فإن جريمة المسؤول سيصل خبرها إلى آذان كل المسؤولين حتى لو لم تنشر الصحف حرفاً منها، وسيعرف كل نجم ما حدث لزميله لأن عالمهم واحد ويعرفون بعضهم بعضاً. فهدف الردع سيتحقق معهم، وسيعرفه الداني ولا يهم أن يعرفه القاصي. الصحافة معنية بكشف أخطاء وتجاوزات المسؤولين والنجوم، وليست هناك مشكلة في انتقاد مسؤول لم ير مكتبه منذ شهور، ومصالح الناس متعطلة بسببه، لكن الأمر يختلف في حال قبض عليه أو على النجم لشبهة جنائية، فاعتباره مذنباً من عدمه، من اختصاص القضاء، خصوصاً أن البراءة اللاحقة لا تفيد كثيراً، مثل إصلاح الزجاج بعد تهشمه. ويمكن تقبّل النشر إذا كان الامتناع عنه سيؤدي إلى الإضرار بالناس بأي شكل من الأشكال. الصحافة الغربية تشهّر بالمسؤولين والنجوم لكنها لا توفّر أحداً كائناً من كان، وفي المقابل فإن المحرر المسؤول الذي يفضح أمراً ما، ثم يتبين أنه استعجل بسبب معلومات ناقصة أو مغلوطة، فإنه يترجّل من فرسه أو حتى يعتذر، وربما يفضّل الانتحار على تحمّل تبعات فعلته. وبعض الصحافة العربية تقتات على التشهير والفضائح والابتزاز. فهل صحافة الإمارات وصلت إلى مستوى الصحافة الغربية؟ وهل يمكن أن تسقط يوماً إلى المستوى الثاني؟ حتى لو كانت خطوة تلك الصحف تدخل ضمن حرية الصحافة وحق القراء في الحصول على المعلومة ومعرفة ما يدور حولهم، ومما لا يعاقب عليها القانون سواء قبل أو بعد صدور الحكم، وتأكدت الصحيفة من صحة الوقائع، وتوخت الحيطة والحذر قبل النشر، فإن آخر ما كان يتمناه المرء لصحافة الإمارات أن تدخل عالم التشهير، خصوصاً أن صحافة أي مجتمع تشبهه، ومجتمع الإمارات لم يكن يوماً مجتمع تشهير بالأفراد وتدمير حياتهم. المصيبة لو انقلبت الآية، وأصبح المجتمع يشبه صحافته.