والآن انقضى رمضان والعيد، وخطر في بالي أن أقترح إلغاء العمل في رمضان، إلا بعد الإفطار والتراويح وبفترة كافية مع منتصف الليل، لكن المشكلة أن هناك أعمالا لا يمكن إنجازها إلا في النهار! لكن المضحك فعلا حين أسمع أخبار المسلمين ووقت إفطارهم بعد نهاية رمضان، ومتى يكون أول يوم عيد الفطر؟ لا أستطيع إلا أن أضحك ضحكة ممزوجة بكثير من الأسف. فقد اتصلت بابنتي في كندا، قلت لها أفطرنا في السعودية! قالت: نحن هنا لم نفطر بعد وسيكون يوم العيد الأربعاء! قلت لها طالما أفطر بلد إسلامي فتابعوه، خاصة السعودية مركز العالم الإسلامي. قالت: نشعر بشيء من الحرج؛ فنحن نتبع هنا مسلمي أميركا، فلا نريد أن نفطر وهم صائمون! وهكذا فالقمر يظهر طرف من رأسه يوم الثلاثاء في السعودية، ثم يضحك لمسلمي أميركا وكندا في الطرف الغربي من الأرض يوم الأربعاء، ثم ينفتل مرحاً إلى أهالي بنغلاديش فيضحكهم يوم الخميس ويزيد من صيامهم يومين! حقيقة أنا عاجز عن التعليق فالأفضل لنا أن نقول قولاً يوقظ نائماً ولا يزعج مستيقظا! يا قوم هل من المعقول، في عصر الفضاء، حيث تم إرسال مسبار "نيو هورايزن ـ الأفق الجديد" إلى بلوتو على بعد ثلاثة مليارات كم، ليصل إلى سطحه بعد 15 سنة، والقمر جارنا على بعد 400 ألف كم، نراه بأعيننا فنغمزه، ونعرف دورته، وعمره، ومتى ولد من وراء ارتطام كوكب آخر بالأرض قبل ستة مليارات سنة. ألا يمكن أن نعرف متى يكون يوم العيد؟ ومتى ينام القمر ويفيق؟ إن واقعة من هذا النوع تجعلنا نرى مأساة العالم في طولها وعرضها، فالأتراك حدد لهم أتاتورك الروزنامة، بالدقيقة والثانية، أما في آسيا الوسطى فقد غيروا هناك الروزنامة كلها لتنزل على أسماء بشرية... وتبقى المواعيد عندنا مترنحة حسب المزاج والسياسة، كما رأينا في ثلاثة أيام وربما كانت أكثر! وكأن هناك حرصا على أن "يعيّد" كل واحد خلاف الآخر، وكأن القمر عندنا انشق إلى ثلاثة أو أربعة؟ أو كأن الزمن الذي يمشي على الأرض مفكك الأوصال؛ فهو في كندا غير تايلاندا، وهو في الصين غير بورما وجزيرة آتشيه في أندونيسيا! حقاً إن وضع العالم الإسلامي مضحك في حجم نكتة كبيرة دون أن يضحك لها أحد! وإذا كانت أفراحنا موضع خلاف بدون فرح، فكيف بأتراحنا ومناسباتها، وكأننا ننتسب إلى مجموعة كوكبية، ولسنا على ظهر كوكب واحد... إنني أفهم أثر السياسة في الدين، وكيف تشكلت الأديان في الأرض من وراء النزاعات والحروب والتمددات العسكرية، فالفليبين كانت يوماً مسلمة، وفي جزرها قتل ماجلان، والقسطنطينية كانت معقلاً للنصرانية طوال ألف عام فأصبحت استانبول عاصمة آل عثمان. إن أثر الحرب والسياسة هائل في حصر أو نشر العقائد، فلولا الدولة الصفوية لم تقم ثورة إيران. والنهضة التيمورية في الهند كانت من وراء سيف تيمور الأعرج وأولاده من بعده. ولولا ثورة الشريف حسين لبقيت تركيا ولأخذ مشروع إنشاء إسرائيل مساراً آخر، ولو بقيت الوحدة الناصرية لما سطا البعث على السلطة. ولولا نزوة حاكم درعا لما نجا لورنس من الإعدام بتهمة الجاسوسية، وتغير مسار الشرق الأوسط، فالرجل كان يقول لمن حوله مع الجنرال اللنبي، غازي القدس، نحن نصنع التاريخ؟ وقد صنعوه، أما نحن فنحافظ على خرائطهم بأشد من الكتب المقدسة كلها! ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد.. هل يا ترى يفكر عقلاء العالم الإسلامي بعد ثلاثة قرون في أن يحققوا ما يشبه الوحدة الأوروبية، فيجتمعوا للتفكير باحتمال أن يتفقوا على تحديد ولادة الهلال والقمر ويوم العيد، ويعلنوه للجميع، فيتوحد العالم الإسلامي في أمر يجب أن لا يتفرق عنده؟!