كشفت صحيفة "الإمارات اليوم"، في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، عن شائعات تزعم بأن أكثر من بنك محلي تعرّض للإفلاس جرّاء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وهذه الشائعات، التي تداولت على مدى الأسبوع الماضي عبر رسائل المحمول ومواقع "الإنترنت" ومنتدياته، أثارت مخاوف واسعة لدى الكثير من المتعاملين وعملاء هذه البنوك. هذه الشائعات كانت من الخطورة، بحيث كانت تستحق اشتباكاً إعلامياً مباشراً وفاعلاً منذ الساعات الأولى لإطلاقها، وكانت تستوجب من الإعلام المحلي جميعه الكشف عنها والإشارة إليها بوضوح ودون مواربة، بل كانت تستحق الاهتمام والتغطية والمتابعة، بحكم ما تنطوي عليه من عوامل سلبية مباشرة ذات تأثير فادح في ثقة العملاء المحليين في أداء المصارف الوطنية، وهو ما يفوق بمراحل أحداث ووقائع باتت تحظى بمتابعة حثيثة من الإعلام المحلي، برغم أن المعايير المهنية الموضوعية ربما لا تدرجها من الأساس على أجندة المتابعة الإعلامية، ولعلّ واقعة اتهام أحد لاعبي كرة القدم بممارسة السحر والشعوذة مثال بارز على التناقض في حجم الاهتمام الإعلامي وأولوياته. تقرير الصحيفة المشار إليه لعب الدور المنتظر من الإعلام المحلي عندما تصدّى للشائعات وفنّدها بشكل صريح ومباشر لدرجة ذكر أسماء المصارف التي ألمحت إليها الشائعات والرسائل النصية ومنح الفرصة للمسؤولين عن هذه المصارف لتوضيح الحقائق، ولم يتعامل معها نفياً بشكل غير مباشر، خصوصاً أن عناصر مثل الشفافية والصراحة والمكاشفة والتوقيت تلعب أدواراً مؤثرة في حالات كهذه من أجل احتواء الشائعات ودحضها أو الحدّ من تأثيراتها ومعدّلات انتشارها. لم تكن هذه الملاحظة هي المأخذ الوحيد على تعاطي الإعلام المحلي مع تفاعلات الأزمة المالية التي تجتاح اقتصادات العالم، فقد تجلّت بشكل واضح وجليّ محدودية دور معظم وسائل الإعلام المحلية على صعيد إنتاج رؤى تحليلية تخدم قرّاءها وتساعدهم على فهم ما يحدث حولهم، واتخاذ القرارات الصائبة بشأن مدّخراتهم واستثماراتهم، وإدراك حدود التفاعل المباشر وغير المباشر بين الاقتصاد الوطني والاقتصادات العالمية، وتوضيح حدود إفرازات الأزمة إقليمياً ودولياً من وجهة نظر محلية تأخذ في الاعتبار عوامل القلق السائدة لدى الجمهور في الداخل من أجل التصدّي المنهجي لمروجي الشائعات في الأسواق المحلية. الدعوة إلى دور مؤثر لوسائل الإعلام المحلية في أجواء كهذه تتسم بالقلق المبرّر جرّاء أزمة مشتعلة لم تترك سوقاً من الأسواق المالية في مختلف أنحاء العالم إلا وتركت بصماتها فيه وتأثيراتها السلبية عليه، تنبع هذه الدعوة من الصدقية التي تتمتّع بها وسيلة الإعلام الوطنية في توقيتات كهذه، فضلاً عن ارتباطها المباشر بواقع الجمهور المستهدف وما يعتريه من قلق، وما يضاعف من قيمة هذا الدور أن دولة الإمارات تتمتّع بمكانة متميّزة من حيث معدّلات انتشار تقنيات الاتصال ووسائله، ما يتطلّب بدوره سرعة فائقة في الاشتباك إعلامياً مع أي محاولات لترويج شائعات مغلوطة عن أداء أي قطاع من قطاعات الاقتصاد الوطني. الموضوعية تقتضي القول إن الإعلام المحلي أفرد الصفحات لتغطية تفاعلات الأزمة المالية إخبارياً، ومنح الموضوع في تفاعلاته و "توابعه" العالمية المتلاحقة أولوية يستحقها، ولكن التقصير النسبي الحادث هو تجسيد لإشكالية ظاهرة في الصحافة المحلية بشكل عام، وهي قصور المعالجات المنهجية الدقيقة الخاصة بالشأن الاقتصادي المحلي كانعكاس مباشر لضعف الشق الاقتصادي ومحدودية أداء الصحافة الاقتصادية المتخصّصة، نوعاً وكماً، فما زالت الساحة الإعلامية الإماراتية تعاني شحاً في الإنتاج الصحفي في شقه الاقتصادي، وما زالت نسبة لا بأس بها من ممارسي التحليل الاقتصادي التخصّصي، إما من الهواة وإما من أصحاب المصالح، وإما كلاهما معاً، الأمر الذي لا يتماشى مطلقاً مع ما يشهده الاقتصاد الوطني من طفرات نوعية في مختلف قطاعاته، وبما يتطلّب تطوير ملاحق اقتصادية قوية، وصحف اقتصادية قادرة على الوصول إلى الشريحة الكبرى من الجمهور، الذي يتنفّس في قطاع عريض منه أخبار البورصات والاستثمارات والعقارات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية