"ما الذي لا تعرفه، وكيف ستعرفه؟" عندما طرحت "بيجي" من "أمهُرست" هذا السؤال على توم بروكو، مدير المناظرة الرئاسية الأخيرة، من أجل أن يطرحه على ضيفيه، فالأرجح أنها كانت تعلم مسبقاً أنها لن تحصل على جواب صادق من المرشحَين. وهو ما حدث بالفعل. فقد رد باراك أوباما مازحاً وقال: "زوجتي ميشيل حاضرة معنا هنا، ويمكنها أن تعطيك قائمة طويلة"، ثم لفت إلى أن التحديات غير المتوقعة هي التي تستهلك عادة معظم وقت رئيس الولايات المتحدة، قبل أن يعمد إلى تغيير الموضوع بسرعة للحديث عن الحلم الأميركي. أما جون ماكين، فقد كان جوابه كالآتي: "ما لا أعرفه هو ما لا نعرفه جميعاً، وذاك هو ما سيحدث... ما لا أعرفه هو غير المتوقع"، ثم عمد إلى تغيير الموضوع كذلك. وعليه، فسأجيب أنا تطوعاً على سؤال "بيجي" المعلَّق. ما يبدو أن ماكين لا يعرفه -حتى الآن- هو أنه "رجل ميت يمشي على قدمين"؛ ولكنه سيعرف ذلك قطعاً في الرابع من نوفمبر المقبل حين سيخسر في الانتخابات، فاستطلاعات الرأي تشير على نحو متزايد إلى أن خسارته ستكون كبيرة. والواقع أن خسارة الحزب "الجمهوري" عموماً يُتوقع أن تكون كبيرة أيضاً. ذلك أننا نعيش فترة تحول كبير في الحياة السياسية الأميركية؛ حيث جعلت الأزمة الاقتصادية العالمية، والحربان في أفغانستان والعراق، والتهديد الإرهابي والنووي المستمر معظم الأميركيين ينتفضون ضد طيش وتهور المتعاملين في السوق الحرة وضد المقاربات الأحادية والعسكرية في السياسة الخارجية للبلاد. لقد انتهى عهد هيمنة الحزب "الجمهوري" على الحياة السياسية الأميركية. وإذا كان ماكين، وهو ابن وحفيد ضابطين كبيرين في سلاح البحرية، يريد أن يكون الرئيس "الجمهوري" الذي يمسك بزمام الأمور، فإنه اليوم يغرق مع السفينة. ولننتقل الآن إلى أوباما، الذي من شبه المؤكد أنه سيصبح رئيسنا عما قريب. فما لا يعرفه أوباما هو كيف يمنع الأزمة الاقتصادية العالمية من أن تدفعنا جميعاً إلى قاع البحر، إلى جانب ماكين وجماعة "الجمهوريين" الكئيبة. ولكن أوباما لن يقول ذلك بالطبع -لأنه لا يوجد سياسي عاقل مستعد لفعل ذلك. بل على العكس؛ فقد أخذ أوباما، وعلى غرار ماكين، يطمئن الناخبين خلال المناظرة الأخيرة بأن كل مشاكلنا يمكن حلها. ولم يشر هو ولا ماكين إلى هبوط مؤشر "داو" بـ508 نقاط يوم الثلاثاء، ولا إلى حقيقة أن المؤشر خسر ثلث قيمته في غضون عام. وحين سأله "بروكو" حول ما إن كان الاقتصاد "سيزداد سوءاً بكثير قبل أن يشرع في التحسن"، كان جواب أوباما سريعاً: "كلا، أنا واثق من (صحة) الاقتصاد الأميركي". أحقاً؟ أما أنا، فلست واثقة. أنا عادة لا آمل أن يكون الساسة غير صادقين؛ ولكن إذا كان أوباما يعتقد حقاً أن الأمور لن تزداد سوءاً، فإن الأشياء التي لا يعرفها إذن مخيفة وتبعث على القلق. ذلك أن الاقتصاد الأميركي هو اليوم تقريباً في الوضع الذي كانت عليه سفينة "تايتانيك" حين لمح مراقبوها جبل الجليد القاتل يلوح في الأفق؛ والواقع أن معظم الأميركيين بدأوا يدركون هذا الأمر. وعلى رغم أن إلقاء اللوم على الآخرين عادة ما يكون عملاً مسليّاً، إلا أن معظم الأميركيين بدأوا يطرحون أسئلة أكثر إلحاحاً -مثل السؤال عما إن كان ثمة ما يكفي من قوارب النجاة، وما إن كانت ثمة حظوظ حقيقية للإنقاذ والتعافي؟ إن على أوباما أن يعرف هذه الأمور. ولكن ربما نصحه فريق حملته بأنه بحكم قرب موعد الانتخابات، فإنه سيكون من الغباء الاعتراف بمشكلة كبيرة وتزداد كبراً إن هو لم يكن قادراً على عرض حل مقنع وشامل على الناخبين. وأنا متأكدة جداً من أن أوباما لا يعرف بعد ما ينبغي فعله بخصوص هذه المشكلة. ولكن لا تلوموه لأنه لا يعرف بعد كيف ينبغي التعامل مع هذه الأزمة لأنه في الوقت الراهن لا أحد يعرف حقاً ما الذي ينبغي فعله بخصوصها: لا أوباما، ولا ماكين، ولا بن بيرنانكي، ولا بول كروجمان، ولا لاري سامرز، ولا هانك بولسون. لا أحد يعرف. وهو ما يجعل وضعنا مخيفاً جداً في الواقع. فقد بدأت المشكلة في سوق العقارات الأميركي وامتدت تأثيراتها لتشمل العالم. فتحولت توابعها وموجاتها الصغيرة إلى أمواج عاتية، ثم إلى تسونامي مدمر؛ ونتيجة لذلك، فإن السواحل العالمية تعج الآن بركام المؤسسات المالية المحطمة. بل إن اقتصادات وطنية بكاملها بدأت تغرق، علماً بأنه في اقتصاد اليوم المعولم، فإننا إما نغرق جميعاً أو نسبح ونصمد جميعاً. خلال الحرب العالمية الثانية -و حتى في الوقت الذي كان يستعر فيه القتال في أوروبا المدمرة- التقت القوى المتحالفة في مدينة "بريتون وودز" (ولاية نيوهامبشر الأميركية) من أجل إقامة المؤسسات الدولية بهدف إرساء الاستقرار في النظام المالي العالمي. ويوم الأربعاء الماضي، حذر صندوق النقد الدولي -الذي يمثل حجر الزاوية في النظام الذي أُسس في بريتون وودز- من أن الاقتصاد العالمي يواجه "أخطر هزة مالية في الأسواق الناضجة منذ عقد الثلاثينيات". غير أنه حتى في الوقت الذي دعا فيه صندوق النقد الدولي إلى "عمل قوي ومنسق"، فإن جزءاً كبيراً من النظام المالي لمرحلة ما بعد لحرب العالمية الثانية بدأ يتفكك. فهل نستطيع إنقاذه؟ وهل حان الوقت لتبني مقاربات جديدة مختلفة بشكل جذري، داخلياً وخارجياً؟ إن أوباما لا يعرف الجواب بعد؛ ولكن مهما تكن الأشياء التي لم يقلها أوباما علناً، فإنني آمل أن ينكب خبراؤه الاقتصاديون على هذا الموضوع لأن من مصلحته -ومصلحتنا- أن نعرف الجواب بسرعة. روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"