أكملت الصين يوم الخميس قبل الماضي، رحلة فضائية مدتها ثلاثة أيام من التحليق حول مدار الأرض، تضمنت أول خطوة من نوعها يخطوها الفضائيون الصينيون في الفضاء. وبهذا الحدث التاريخي، لم يعد الفضاء حكراً للهيمنة الأميركية ولا الروسية أو الصينية، إنما تحول إلى ساحة دولية مفتوحة أمام الجميع، بعيداً عن أجواء الحرب الباردة التي سيطرت عليه طوال العقود الماضية السابقة لانهيار الاتحاد السوفييتي. وعلى حد تعبير "فينسنت ثاباتير" المسؤول السابق بالوكالة الفضائية الفرنسية CNES والزميل الرئيسي حالياً بـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" بواشنطن، فلم يعد هناك لاعبان دوليان فحسب، فيما يتصل بالكشوف الفضائية والمراقبة الأرضية للفضاء، مثلما كان عليه الأمر طوال الحرب الباردة، بل هناك قدرات دولية عديدة مشاركة في هذا المجال. وعليه فإن السؤال الواجب طرحه الآن هو: كيف لهؤلاء اللاعبين الفضائيين الدوليين أن يوحدوا جهودهم ليخطوا خطوة جماعية نحو الفضاء؟ فقد أطلقت إحدى عشر دولة من دول العالم أقمارها الاصطناعية الخاصة بها في الفضاء، بينما تتولى 50 دولة تشغيل الأقمار الاصطناعية التابعة لها. وبدلاً من مفهوم "سباق الفضاء" الذي ساد طوال فترة الحرب الباردة، يتجه العالم يوماً بعد يوم نحو التعاون الفضائي الدولي. وضمن هذا الاتجاه، يدور هذين اليومين حديث عن اعتزام الولايات المتحدة الأميركية والصين، التعاون الفضائي بينهما. هذا وتعد آخر مهمة فضائية قامت بها الصين تتويجاً للجهود المكثفة التي بذلتها بكين في مجال تطوير قدراتها العلمية والتكنولوجية الفضائية. وقد فسر جريجوري كولاكي -المختص في قضايا الأمن الفضائي والشؤون الصينية، في اتحاد العلماء المهتمين- المهمة الفضائية الصينية الأخيرة هذه، بأنها كانت مدفوعة برغبة الصين وتطلعها لأن يكون لها موطئ قدم في عصر الرحلات الفضائية الدولية. ومن جانب آخر يقول المحللون الفضائيون إن بدايات فعلية قد رصدت لتعاون أميركي- صيني فضائي، أملتها الصعوبات التي يواجهها الانتقال العصيب للبرامج الفضائية الأميركية، من مرحلة السفن الفضائية الحاملة للبشر، إلى مرحلة المجرات الفضائية. ولكن مما لا شك فيه أن اختبار الصين لأسلحتها المضادة للأقمار الاصطناعية في شهر يناير من العام الماضي، إلى جانب إسقاط سلاح البحرية الأميركي لأحد أقمار التجسس الصينية في فبراير الماضي، قد كان لهما تأثيرهما على إبطاء التعاون الفضائي بين واشنطن وبكين. وقبل اختبار الصين لسلاحها المضاد للأقمار الاصطناعية في التاريخ المذكور، كان أعضاء "مجموعة العمل الصينية" التابعة لمجلس النواب الأميركي، قد أبدوا رغبة في النظر في مدى إمكانية توجيه الدعوة إلى الفضائيين الصينيين للمشاركة في برنامج المحطة الفضائية الدولية، على حد قول السيد "كولاكي”. وعلى أية حال، فقد ظهرت بوادر إيجابية لبداية تعاون أميركي- فضائي صيني مؤخراً. وربما كانت هذه البوادر نتيجة لرفع وزارة الخزانة الأميركية في شهر يونيو المنصرم، مجموعة من العقوبات التي كانت تفرضها على الصين، على خلفية مزاعم بشأن تعاون محتمل من جانب بكين مع طهران في تطوير برامج صواريخها. وكما تقول الآنسة "بيجيي فيناريلي" وهي رائدة فضائية ومسؤولة سابقة بوكالة "ناسا" الأميركية، وزميلة رئيسية حالياً بمركز أبحاث السياسات الفضائية بجامعة جورج ماسون في فيرفاكس بولاية فرجينيا، فقد كان رفع العقوبات المفروضة على الصين من قبل وزارة الخزانة الأميركية، خطوة ضرورية لا بد منها، في سبيل دفع التعاون الفضائي بين واشنطن وبكين. وفي يوليو المنصرم، أي بعد شهر واحد فحسب من رفع العقوبات المفروضة على الصين، زار "مايكل أوبراين" -الإداري المساعد بقسم العلاقات الخارجية، ومسؤول العلاقات الخارجية بوكالة ناسا- الصين حيث التقى هناك بكبار المسؤولين الفضائيين. وتم الاتفاق بين الجانبين على التعاون بمستوى أكبر في الجهود العلمية المرتبطة بالأرض والفضاء معاً، حسب التقارير الصحفية الواردة عن اللقاءات التي تمت بينهما. ومن جانبها يزداد اندماج الصين في البرامج الفضائية الدولية، حسب ملاحظة المحللين. فهي تطمح لأن تكون الدولة التي تمد بلدان العالم النامية بتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية وإطلاقها في الفضاء. تلك هي ملاحظة "ديفيد فاكارو" المحلل الرئيسي بشركة فيرتون -وهي شركة متخصصة في تقديم الاستشارات والتحليلات الفضائية في بيثيسدا-ميريلاند-. ومضى السيد "فاكارو" إلى القول في ذلك السياق: ففي شهر يوليو المنصرم، أطلقت الصين القمر الاصطناعي NIGCOMSAT1 التابع للحكومة النيجرية، والذي تتطلع عبره نيجيريا إلى توفير خدمات البث الفضائي والاتصالات في أنحاء واسعة من القارة الأفريقية. وفي خطوة مماثلة، تعاونت بكين مع البرازيل في إطلاق الأقمار الاصطناعية المستخدمة في أنشطة الاستشعار من بعد. بل تشارك الصين في برنامج "جاليليو" الأوروبي، وهو نظام للملاحة الدولية، يوازي نظام تحديد المواقع الدولي GPS الأميركي. ولبكين مشاركة أخرى في تطوير برنامج Glonas الروسي للملاحة الدولية. وفوق ذلك، تعد الصين رئيساً مشاركاً -إلى جانب كل من الولايات المتحدة الأميركية وجنوب أفريقيا والمفوضية الأوروبية- للجنة التنفيذية لـ"مجموعة مراقبة كوكب الأرض" المعنية ببناء شبكة دولية واسعة لنظم الرقابة البيئية، بما فيها الرقابة عن طريق الأقمار الاصطناعية. وعلى رغم قدرة الصين من الناحية التكنولوجية على المشاركة في برنامج المحطة الفضائية الدولية، فإن خطوة كهذه تتطلب الموافقة السياسية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، على حد قول المراقبين والمحللين. وكما يرى "سكوت بيس" رئيس معهد السياسات الفضائية بجامعة جورج واشنطن، فإن مشاركة الصين في المحطة الفضائية الدولية، يتطلب أن تجري بكين مجموعة من التغييرات على سلوكها، ذلك أن التعاون الدولي بين البشر في مجال الرحلات الفضائية، يتطلب قدراً كبيراً من الشفافية والثقة المتبادلة بين أعضاء الفريق الدولي المشارك. وهذا ما يجب على الصين أن تظهره لشركائها العالميين. بيتر إن. سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"