الازدحام المروري أصبح مشكلة تسبب الكثير من المعاناة في شوارع أبوظبي، ويظهر ذلك بشكل خاص في أوقات الذُّروة الصباحية والمسائية، بما يؤثر في حركة العمل والإنتاج بشكل مباشر. في هذا الإطار، أشارت دراسة صدرت مؤخراً عن "مركز البحوث والدراسات الأمنية في القيادة العامة لشرطة أبوظبي" إلى أن "عدد المركبات المتحركة على الطرق في نطاق مدينة أبوظبي تجاوز السعة الاستيعابية لها". هذه النتيجة التي خرجت بها الدراسة تعني أن المسألة لا تتوقف فقط عند حد الازدحام المروري ومشكلاته، وإنما تمتد كذلك إلى توليد الكثير من المشكلات الأخرى والسلوكيات السلبية التي تؤثر في حالة شوارعنا ومساحة الانتظام والأمان فيها. هناك العديد من المقترحات التي قدمتها الدراسة وغيرها لمواجهة هذه المشكلة، مثل تعديل مواعيد بدء الدوام وانتهائه لبعض المؤسسات، ونقل المؤسسات التي تتعامل مع الجمهور إلى خارج المدينة، وعدم تركيز كل النشاطات التجارية في مركزها، وإعادة النظر في برامج تشغيل الإشارات الضوئية في بعض التقاطعات، إضافة إلى التوسع في إنشاء أماكن الانتظار وتوفيرها، وغير ذلك من المقترحات. وهذه كلها مقترحات مهمة، إلا أن الأمر يحتاج إلى التعامل مع جذور المشكلة، وليس مع نتائجها أو تجلياتها فقط. ويتمثل جوهر المشكلة المرورية الأساسي في أبوظبي في العدد الكبير من السيارات الخاصة، التي تم ويتم ضخها في الشوارع دون توقف، إلى حد أصبحت فيه هذه الشوارع غير قادرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة، سواء من حيث سيولة الحركة، أو توافر أماكن الانتظار، برغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة المعنية لتنظيم حركة السير وضمان سيولتها، ومواجهة مخالفاتها. ولعل من الإشارات المهمة في هذا الصدد أن عدد السيارات التي تم تسجيلها خلال الشهور التسعة الماضية من العام الجاري، وفقاً لمدير إدارة ترخيص الآليات والمركبات في أبوظبي في تصريحات لإحدى الصحف المحلية مؤخراً، قد بلغ 136 ألفاً و450 سيارة، وهو المعدل الأعلى لتسجيل السيارات الجديدة منذ خمس سنوات. وبالتالي، فإن العلاج الجذري من المهم أن يبدأ بالتفكير في كيفية تقليل أعداد السيارات الخاصة في الشوارع. في هذا الإطار تُطرح مقترحات مختلفة، فهناك من يطالب بالتشديد في إجراءات منح رخص القيادة، بما يساهم في تقليصها، وهناك من يرى التوسع في إخراج السيارات القديمة من الشوارع، إضافة إلى مقترحات أخرى عديدة تمثل اجتهادات مهمة في التعامل مع القضية، إلا أن أحد المقترحات المهمة في هذا الصدد هو الذي يركز على مواصلة دعم المواصلات العامة كمدخل مهم وأساسي لمعالجة الأزمة المرورية، بمعنى توسيع نطاق عمل هذه المواصلات وتوفيرها قدر الإمكان، خصوصاً بعد أن أثبتت وجودها خلال الأشهر الماضية، وباتت مَعلماً رئيسياً للشارع الظبياني، والعمل على تغيير الثقافة السلبية بشأنها أيضاً، بحيث تتحوّل إلى بديل قوي وحقيقي ومقبول للمركبات الخاصة، وبالتالي يلجأ الناس إليها، ويفضلونها كوسيلة آدمية ومريحة للانتقال، سواء بشكل كلي أو جزئي، بدلًا من اعتمادهم الكامل على السيارات الخاصة. وقد بدأ الدفع في هذا الاتجاه يأخذ طريقه إلى التنفيذ بالفعل خلال الفترة الماضية، من خلال عمليات التطوير التي لحقت بالمواصلات العامة في أبوظبي، واتجه الكثيرون إلى الاعتماد عليها بالفعل كوسيلة نقل فاعلة. ولاشك في أن تشجيع "النقل الجماعي" للموظفين، من شأنه أن يمثل مدخلاً آخر يقلّل من الاعتماد على المركبات الخاصة كوسيلة وحيدة للوصول إلى مواقع العمل، وهناك بالفعل مؤسسات تتبنى هذا النهج، ويمكن أن يتسع هذا التوجه خلال الفترة المقبلة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية