الطاقة هي عصب الحضارة، وأحد طرفي معادلة التقدم والارتقاء الاقتصادي والاجتماعي، إذ تتحدد مؤشرات التقدم لدى أية دولة بمعدل نصيب الفرد من استهلاك الطاقة، كما أن عملية التنمية، في أية دولة، تتوقف على اقتصاديات الطاقة، لجهة موردها ونقلها وتكلفتها... من هذا المنطلق يبين الدكتور علي لطفي، أستاذ الاقتصاد ورئيس مجلس الشورى ورئيس الوزراء المصري الأسبق، في كتابه الذي نعرضه هنا، أوجه العلاقة بين "الطاقة والتنمية في الدول العربية". يأتي الكتاب في أكثر من 350 صفحة تتوزعها مقدمة وخاتمة وأربعة أبواب تتناول "المتغيرات العالمية والإقليمية والتنمية العربية"، "السوق العالمية والمتغيرات الاقتصادية المؤثرة على البترول العربي"، "استراتيجية الطاقة لتحقيق التنمية الاقتصادية العربية"، وأخيراً "دور التكامل الاقتصادي في تحقيق التنمية العربية". يمتلك العرب نصيب الأسد من الاحتياطي العالمي من النفط والغاز الطبيعي، وكما يوضح المؤلف، فقد بلغ الاحتياطي العربي من النفط الخام في عام 2005 حوالي 667.4 مليار برميل، أي ما نسبته 63? من إجمالي الاحتياطي العالمي البالغ نحو 1068 مليار برميل. وفي العام نفسه، بلغ الاحتياطي العربي من الغاز الطبيعي 53360 مليار متر مكعب، من أصل 6.4 تريليون متر مكعب هي حجم الاحتياطي العالمي منه. ورغم أن النفط والغاز يعدان أهم ثروة طبيعية تملكها الدول العربية المنتجة، إلا أن الاقتصادات العربية، كما يرى المؤلف، تواجه مصاعب وتحديات حقيقية تقف حجر عثرة أمام استفادتها من هذين الموردين الاستراتيجيين. فقد شهدت سوق البترول العالمية خلال العقود الثلاثة الأخير من القرن العشرين تطورات متلاحقة وعميقة، تأتي على رأسها إعادة صياغة النظام العالمي فيما أطلق عليه عصر العولمة، بما ميزه من سيطرة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وبزوغ نجم منظمة التجارة العالمية كبديل عن اتفاقية "الجات"، والتي استهدفت إزالة جميع الحواجز أمام حرية التجارة العالمية، لكنها استثنت من مفاوضاتها النفط، حيث ظلت الدول الأوروبية تفرض "ضريبة الكربون" على وارداتها منه. وبالطبع كان لهجمات 11 سبتمبر 2001، والحرب الأميركية على العراق، آثارهما البالغة التي أظهرت مكانة الطاقة كأولوية في السياسة الدولية تجاه المنطقة، وما أفرزته تلك السياسة من نتائج على مسيرة التنمية العربية. كذلك يتطرق المؤلف إلى ملامح النظام البترولي الجديد، وما حمله من تغير مس أدوار الفاعلين فيه، حيث بات يقوم بمهماته الأساسية لاعبون جدد، ووفق قواعد جديدة، أملاها انتقال إدارته من "السياسة" إلى الأعمال، وهو الانتقال الأكثر جذرية في تاريخ صناعة النفط منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي. كما يتناول الكتاب أهمية قطاع الطاقة في الوطن العربي، سواء من حيث احتياطياتها أو إنتاجها أو عوائدها المالية. فقطاع الطاقة يحتل أهمية مرموقة في اقتصادات الدول العربية، إذ يساهم بنصيب كبير من الدخل الوطني، ويمثل مصدراً أساسياً لاحتياطي البلاد من العملات الأجنبية. وفيما يخص استهلاك الطاقة في البلاد العربية، يقدم الكتاب أرقاماً وإحصائيات ذات دالالة مهمة، ومنها يتضح أن نصيب الفرد من الطاقة بلغ في عام 2000 حوالي 609.3 برميل مكافئ نفط سنوياً، لكنه انخفض إلى نحو 554.1 برميل مكافئ نفط سنوياً في عام 2005. وفيما يخص مصادر الطاقة المستهلكة في الوطن العربي، فقد مثل النفط نسبة 55.8? منها، والغاز الطبيعي نسبة 41.5?، أما مصادر الطاقة الأخرى (خاصة الفحم والطاقة الكهرومائية)، فكان نصيبها مجتمعة يقل عن 3? من إجمالي الطاقة المستهلكة. وإلى جانب الدور الذي يلعبه قطاع الطاقة في دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية، فهو كما يرى المؤلف، يساهم بدوره كقاطرة في تعزيز التعاون بين البلاد العربية. فصناعة النفط والغاز الطبيعي يمكن أن تساعد في زيادة التعاون الاقتصادي العربي وتوسيعه، لكونها تشتمل على سلسلة طويلة من المراحل تمثل كل منها صناعة بمفردها. كما أن توفر النفط والغاز الطبيعي في المنطقة العربية من شأنه أن يحسن اقتصادات مشاريع العمل العربي المشترك في مجال الطاقة، خدمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة. ومما يلفت النظر في هذا الكتاب، تحذيراته المتكررة من التقلبات والأحداث المتلاحقة التي تدفع باتجاه "عالم اللانظام"، وكأنه يشير بالإصبع إلى تراجيديا الأسواق المالية الحالية، بيما هو في الحقيقة كُتب ونشر قبلها بعدة أشهر. إلا أنه يتحدث عن العولمة بما تفرضه من تحديات وظواهر ومتغيرات، لاسيما سرعة انتقال الأزمات الاقتصادية عبر الحدود الدولية، ما يجعل الاقتصادات العربية عرضة لتلقي الصدمات الخارجية، لكن ماذا عن أسواق الطاقة إزاء شبح الكساد الذي بدأ يتراءى في الأفق العالمي؟ وهل من شأن الثروات البترولية أن توفر حماية كافية للاقتصادات العربية في ظل الأزمات الحالية؟ تساؤلان في غاية الأهمية، لم يقدم الكتاب إجابة لهما! محمد ولد المنى -------------- الكتاب: الطاقة والتنمية في الدول العربية المؤلف: د. علي لطفي الناشر: المنظمة العربية للتنمية الإدارية تاريخ النشر: 2008