على الرغم من الحركة العمرانية الكبيرة التي تشهدها أبوظبي، فإن هناك حديثاً متواتراً بشأن معاناتها عجزاً سكنياً، بما يدفع الإيجارات إلى الارتفاع بشكل كبير. آخر التقديرات التي صدرت في هذا الخصوص، هو التقدير الذي خرج في دراسة صادرة عن "مركز المعلومات واتخاذ القرار في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي"، وأشار إلى أن عجز المساكن في الإمارة سوف يصل إلى 28 ألف وحدة سكنية في نهاية العام الجاري، وأن المشروعات العقارية الجديدة لن تلبي سوى 20% من الطلب الحالي على العقارات. عجز السكن الذي تشير إليه هذه الأرقام لا يعني نقصاً في المعروض السكني بشكل عام، وإنما يعني نقصاً في المعروض من فئة معينة من العقارات، هي المخصصة لمتوسطي ومحدودي الدخل، حيث تشير الإحصاءات إلى أن الجانب الأكبر من النشاط العقاري موجّه إلى الإسكان الفاخر الذي يهم مرتفعي الدخل، وذلك نظراً إلى ارتفاع العائد منه، في الوقت الذي تقول فيه الإحصاءات إن نحو 80% من حجم الطلب على العقارات في أبوظبي والإمارات الأخرى، تتركز في فئة الإسكان المتوسط، إلا أن المعروض من هذا النوع من المساكن لا يلبي سوى نحو 20% من الطلب عليه، وفقاً لتقديرات رئيس إحدى الشركات العقارية، حسبما أوردت الصحف المحلية مؤخراً. من هذا المنطلق فإن المدخل الأساسي والفاعل لمواجهة العجز الإسكاني في إمارة أبوظبي، يتمثل في الاتجاه إلى التوسع في بناء المساكن التي تخدم محدودي ومتوسطي الدخل، الذين يمثلون الأغلبية بين السكان في الإمارة، وتشجيع القطاع الخاص على الانخراط في هذا النوع من البناء، حتى يمكن تلبية الطلب المتزايد عليه. في هذا الإطار تأتي أهمية التوجهات التي أعلن عنها مدير عام مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني مؤخراً، الخاصة بالتخطيط لمعالجة نقص المساكن المخصصة لمحدودي ومتوسطي الدخل، واعتزام الإمارة تخصيص ما لا يقل عن 20% من إجمالي الوحدات السكنية التي يتم بناؤها خلال السنوات المقبلة لذوي الدخل المحدود. هذا التوجه من قبل إمارة أبوظبي، هو توجه مهم وإيجابي، ويتعامل مع جوهر المشكلة الإسكانية وجذرها، وليس مع مظاهرها أو تجلياتها ونتائجها. التقديرات الاقتصادية تشير إلى أن العائد المادي الذي يعود على الشركات العقارية من الاستثمار في الإسكان الفاخر مرتفع القيمة أكثر بكثير من العائد الذي يعود عليها من الاستثمار في الإسكان منخفض القيمة، الموجه إلى محدودي ومتوسطي الدخل، أي أن الإسكان الفاخر مجال مغرٍ وجاذب للشركات العقارية، بسبب جدواه الاقتصادية المرتفعة، ولذلك فإنه من المهم العمل على تشجيع هذه الشركات على الاهتمام بقطاع إسكان محدودي الدخل، من خلال توفير البيئة الاقتصادية المناسبة التي تجعل العمل في هذا القطاع مجزياً من الناحية الاقتصادية. إذا كان العجز السكني في أبوظبي سيصل إلى 28 ألف وحدة سكنية نهاية العام الجاري، كما سبقت الإشارة، فإن المشهد سيكون أكثر خطورة خلال السنوات المقبلة، إذا لم يتم التحرك لسد هذا العجز، خاصة أن "رؤية أبوظبي 2030" تتوقع أن يصل سكان الإمارة إلى 3.1 مليون نسمة خلال العقدين المقبلين.