التنمية الشاملة مطلب أساسي لجميع المجتمعات، ولا يمكن أن تتحقق إلا من خلال النظام التعليمي، ولذا نجد الحديث عن إصلاح التعليم يقفز للصدارة عند مواجهة المشكلات سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات. ويحتل المعلم حجر الزاوية في عملية إصلاح التعليم التي لا يمكن أن تتم بدون النظر في وضع المعلمين، ووضع خطة شاملة لتطوير أدائهم وتلبية احتياجاتهم. والمتأمل لتجارب إصلاح التعليم في العالم العربي يجد أنها أهملت دور المعلم إهمالاً شديداً، وركزت بصورة أساسية على المناهج، وسخرت كل الموارد لتطويرها، بل ولم تسمح للمعلم بالمشاركة في تطويرها، وكانت النتيجة الفشل لأن العملية التعليمية تعتمد على عدة محاور أبرزها المعلم. فلو تمكنا من تطوير أفضل المناهج فلن تحقق أهدافها إلا إذا قام على تنفيذها معلم مؤهل. وليس المقصود بالمعلم المؤهل هنا هو الحاصل على الشهادة الجامعية في مجال التخصص، بل المقصود بالتأهيل هو القدرة على تحقيق الأهداف التربوية المطلوبة بصورة شاملة ومتوازنة. وهنا يكمن التحدي الكبير الذي يواجه المعلم، فالدور المطلوب منه لايتناسب أبداً مع التأهيل الذي تلقاه في دراسته الجامعية، فمعظم المعلمين العاملين في الميدان حالياً قد أنهوا دراستهم الجامعية في الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات، والمعارف والمهارات التي اكتسبوها قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تمكِّنهم من القيام بمهاهم، بل إن التغيير قد طال كل مكونات العملية التعليمية والمؤثرات المحيطة بها، بينما ظل المعلم المسكين بعيداً عن برامج التطوير المهنية، التي يفترض أن تؤهله لمواكبة هذه التغيرات، وأن تجعل منه قائداً مؤثراً فيها بفعالية وبصورة إيجابية، وبما يسهم في تحقيق الأهداف التربوية. فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى الطالب الذي سيتعامل معه المعلم فسنجد أنه يختلف اختلافاً كبيراً عن طالب ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. فمن ناحية المعارف والمهارات فإنه يملك منها أحياناً ما لا يملكه المعلم الذي يتولى تدريسه، ويرجع السبب في ذلك لتعدد وسائل تلقي المعارف واكتساب المهارات وسهولة التعامل معها مثل أجهزة الحاسوب والموبايل والألعاب الإلكترونية وغيرها من المخترعات الحديثة، التي أصبح الطالب أكثر قدرة من معلمه على التعامل معها. بل نجد أن الطالب لديه قابلية كبيرة لتقبل الجديد واستيعابه والاستمتاع بالتعامل معه بينما الأمر يختلف اختلافاً جذرياً بالنسبة لشريحة كبيرة من المعلمين والإداريين القائمين على العملية التعليمية، إذ تجد لديهم موقفاً سلبياً من الجديد ومقاومة شديدة للتعامل معه، وقد يصل الأمر عند البعض إلى رفض كلي لتقبل الجديد مما يوقعهم في مواقف محرجة مع طلابهم في قاعات الدراسة. وكذلك الأمر بالنسبة للبيئة التعليمية التي تغيرت تغيراً جذرياً بالمقارنة مع البيئة التعليمية التي كانت سائدة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فالمباني المدرسية الجديدة وتجهيزاتها الحديثة تفرض على المعلم اكتساب معارف ومهارات جديدة كي يستطيع توظيفها بطريقة تسهم في تحقيق الأهداف التربوية، فضلاً عن كون الممارسات المهنية داخل البيئة التعليمية تتطلب أدواراً من المعلم تتعدى بكثير الدور التقليدي في توصيل المعلومة للطالب. وهذا كله لن يتحقق باجتهاد فردي من المعلم ذاته فقط لأنه وإن تمكن من تطوير نفسه بذاته فسيجد أنه يغرد خارج السرب، وستنبذه البيئة التعليمية التقليدية حتى يتراجع ويتقبل الدور التقليدي مع بقية الفريق في مدرسته. وهنا تتجلى ضرورة إعداد برامج تطوير مهنية لكل العاملين في الميدان التعليمي، وأن تتصف هذه البرامج بالشمولية والحداثة والاستمرارية.